د. فهد بن علي العليان
بعد أن أنهيت مع الزميل رشود الكلثم مهمة العمل في تلك المنطقة الجميلة والفاتنة بطقسها وأهلها الكرام، ذهبنا إلى مطار الباحة ننتظر رحلة العودة إلى الرياض، وقد اعتدت أن أقضي وقتي في أماكن الانتظار بالقراءة أو بالحديث حولها، حينها بادرني صاحبي بالسؤال: هل تتابع سناب المكتبة والليل؟ قلت له: لم يحصل ذلك بعد. فوجدت منه حرصا وتأكيدا على أهمية متابعته حين قال: لعلك تتابعه، أنا متأكد أنه سيعجبك ولن تتركه. حاورت نفسي سريعا، وقد كنت قبلها بأسابيع يسيرة قد هجرت متابعة (السنابيين) من أجل أن أحتفظ بوقتي لنفسي، ووجدت في ذلك فائدة عظيمة.
أمام إصرار صاحبي الذي أثق باختياراته، يممت صوب سناب لأضيف حساب «المكتبة والليل» وبدأت بالمتابعة وإذ بي أجد متحدثا يمتعك بالحديث عن الكتاب مع إنارة خفيفة وصوت هادئ يكسوه البيان بأسلوب جذاب دون أن يظهر المتحدث صورته أو يبين اسمه. فعلت هذا قبل شهور عديدة، وما زلت أتابع وليس ذلك فحسب بل أصبحت أدعو من عرفت من الزملاء والأصدقاء للمتابعة. لقد وجدت صاحب المكتبة والليل – خلال متابعة مستمرة - يحلق على ارتفاعات عالية في شأن الكتب والمكتبة، ينتقي لمتابعيه صنوفا من الموضوعات يطرحها بسلاسة وعذوبة، يشعر معها المتابع بتتابع المعلومات مثل العقد بانتظامه. وعندما أخفى الرجل اسمه ورسمه، فقد انشغل كثير من المتابعين بمحاولة التعرف على الشخصية المختفية والتي يشع بيانها بلغة جميلة، وما انشغلت إلا بالكم الرائع من المعارف والمعلومات حين يسوقها إلينا، وحين ينتهي أقول: ليته لم يسكت.
ألم يقل أحدهم: تحدث حتى أراك؛ وهنا فإن لسان حال كثير من متابعي المكتبة والليل يقول: نريد أن نراك وأنت تتحدث. وفي ظني المتواضع، أن هذا لا يهم، فالأهم هو القدر الجميل من المعلومات التي يسوقها (الرجل) في الأدب والتاريخ والسير والتراجم، بالإضافة إلى استعراض لقاءاته المتكررة بأعلام ومفكرين في فنون مختلفة وعلماء فضلاء في بلاد المغرب العربي وغيرها. وليس – في تقديري – الكم المعرفي هو الفيصل في ذلك، لكن صاحب ذلك طريقة التقديم الجذابة ينقلك فيها (صاحبنا) من تقديم كتاب إلى فائدة لغوية، ثم إلى أبيات من الشعر يطير معها المتابع شعرا وشعورا، ويتزامن مع ذلك الإجابة على الأسئلة التي عادة ما تكون بمثابة زخات معرفية هادفة ومركزة. ولا أكتم القارئ أنني بالتواصل - من خلف الستار – أحاول أن أقنع (الرجل) ليكون حديثه مباشرا لجمهور الناس في لقاء ثقافي يستعرض فيه تجربته في القراءة وبداياته معها وتأثيرها عليه. وهنا، أعترف للقارئ الكريم بعودتي (الجزئية) إلى عالم (السنابيين)، لكنه في بحر الكتب والقراءة والكتابة، وكأن صاحب المكتبة والليل أعادنا إلى عهد (الرشيد) بمكتبة وكتاب وقلم وقرطاس.
تحية له ومكتبته، وهنيئا له بالليل الذي ننتظر صباحه.