اسم تسربل بالمجد وتقاطرت من ردائه حبات العز والفخار فشدّدنا معه الرحال عبر آلة الزمن إلى أكثر من خمسة عشر قرناً برائحةٍ كالمسك لم تزل عالقةً بثوبِ تاريخه العتيد !
عكاظ وما أدراك ما عكاظ ؟!
من عمق التاريخ وصناديق القصص والحكايات ومن أصداف كهوف القرون الأُوَل وصدى الأيام الخوالي يرجّعها حنين مشبع برائحة الذكريات العطرة، وكأن وفود القبائل ومساجلات الشعراء ومنافراتهم وأصحاب الكلام كائنات ماتزال على قيد الحياة أراهم وأشعر بهم في حركاتهم وسكناتهم عبر حكاياتهم المطرّزة بمتعة الكرم والنجدة وإغاثة الملهوف وفي مسامراتهم ومناقضاتهم ومدحهم وفخرهم وهجائهم واعتذارياتهم وغزلهم!
هيهِ ثم هيهِ عكاظ بعد زمان كنّا فيه الخلي وبعد أن أبطأت رحالك فهنا توقف بك الصمت وبدأت حكاية جديدة ملؤها حكايا تختلف في حوارها عن كل حوار فدعك عما يقولون فما برح قدحك الأعلى ورهانك الأقوى وسوقك الأعظم في تاريخ
العرب!
علينا أن ننسج الخيوط باحتراف متقن وأن نصل الأوتار بعضها ببعض لكي يكون العمل قد جاوز المحيط الإقليمي إلى المحيط العالمي فهنا التاريخ والجغرافيا وأرض الماضي والمستقبل ومهد الشعر والشعراء والخطابة والخطباء!
عكاظ كيف أنت؟!
لبيك أيها الزمن فأنا على الوعد والعهد لا أخشى عجاج الوقت يطمرني ويمحو ذكريات سجلها التاريخ بمداد من ذهب الماضي العريق بخيره المعهود وبشره المطرود بحلقات وتقلبات الحكايا وأبطالها المعهودين وجعجعة الباعة وأصواتهم وهمساتهم واختبارات الشعراء ومنصات الخطباء، هنا فقط وقف سيد البشر محمد- صلى الله عليه وآله وسلم- يعرض الإسلام على القبائل، هنا فقط وقف قس بن ساعدة خطيب المفوّهين يحذّر وينذر ويدعو ويأمل! هنا فقط نصب النعمان للنابغة قبّته ليضرب إليه الفحول أكباد الإبل ليأخذوا شهادة العبور لتطير قصائدهم في جنح الظلام شرود في كل مكان! هنا فقط باع عامر أخو الخضر قوسه ليمتعنا الشمّاخ في وصفه الخالد الرائع لها، هنا فقط نافر يزيد بن عبدالمدان عامر بن الطفيل، هنا فقط عرض كسرى وملك اليمن سيفيهما وخيليهما وحلتيهما ليأخذهم أعز العرب وأشرفهم! هنا التراث الأصيل بكل معانيه الذي لا ينضب معينه الفيّاض ولا يصدأ مع تآكل السنين وتعاقب الأيام هنا الفكر والأدب، هنا فقط كل شيء لكل شيء لا خطوط حمراء يقف عندها الوافدون ولا موانع تُحجب في موسمه! نعم هي عكاظ فالأرض أرضها والسماء سماؤها ! تطايرت بك السنون والازمان ولم تُفقد صفحات طويت بخطوط وأسطر كُتبت في جبين الدهر وخطوات النابغة والأعشى وزهير وحسّان فوق رمالك تلمع بالضحى كذهب المتجردة فوق جيدها الصافي خطوات تنتظر الموسم ليعيد التاريخ نفسه في صفحات بيضاء ناصعة البياض مُلئت بعبق الكلمات العتيقة خطّها لنا الكبار ما صنع الكبار!
قال أبوذؤيب الهذلي في عكاظ:
إذا بُني القبابُ على عكاظٍ
وقام البيعُ واجتمعَ الألوف ُ
- زياد السبيت