ما يشتغل عليه العلم التجريبي هو الفيزيقي؛ وأما الفلسفة فإنها تحاول الدمج بين الفيزيقي والميتافيزيقي، ولذلك فإن الطبيعة في العصور القديمة كانت تعتمد على الفلسفة وليس على التجريب لقلة وجود أدوات العلم التجريبي، وحينما استطاع العلم التجريبي أن يحصل على الأدوات التقنية لكشف الطبيعة وفهمها؛ تجاوز الفلسفة؛ ووجدنا من قال بموت الفلسفة من علماء الفيزياء (كستيفن هوكينج) الذي يعتمد على العلم التجريبي بإطلاق في فهم الإنسان والكون إلى المرحلة التي جعلته يرى (موت الفلسفة) ولا حاجة للإنسان بها لأنها لا يمكن أن تعطي لنا النتيجة الدقيقة التي نلفيها عند التجريبي (الفيلم الوثائقي التصميم العظيم)، وكمثال للمزاوجة بين العلم التجريبي الحديث والفلسفة القديمة ما نجده عند هرقليطس الذي يرى أن النار هي «المادة وهي القوة المحركة معًا» (الفيزياء والفلسفة –ثورة في العلم الحديث ص66)، وهو ما توافقه الفيزياء الحديثة التي تعتبر القوة المحركة هي الطاقة. فهناك ارتباط لا يزال وسيبقى بين العلوم التجريبية بأنواعها والفلسفة وإن كان بدرجات متفاوتة يقل ويكثر إلا أنه يكفيه أن يكون هناك سبق للفلسفة في محاولة فهم الفيزيقي والميتافيزيقي. ولعل الاشتغال على فهم الفيزيقي يغلب عليه العلم التجريبي بينما تغلب الفلسفة على فهم الميتافيزيقي.
وتتركز العلاقة بين الفلسفة والعلوم التجريبية بشكل أكثر ظهورا في مرحلة فيزياء الكم التي أنتجت مرحلة جديدة لعلم الفيزياء حيرت المختبر والتجربة؛ وخير شاهد على هذا تنوع الجسيم ما بين (موجه وجسيم) عند التجريب والملاحظة؛ وهو امتداد (لقطة شرودنجر) المتواجدة داخل الصندوق وخارجه في الآن ذاته؛ ولعلها مرحلة نزع الثقة من التجربة التي بنت العلوم التجريبية عليها ردحًا من الزمن؛ وهذا ما يناقشه توماس كون في كتابه (بنية الثورات العلميةص174) بقوله: «وأظن أن العلماء -وبصورة خاصة في فترات وجود أزمة معروفة- يتحولون إلى التحليل الفلسفي كأداة لفك أحجيات حقل عملهم... ومن عادة العلم العادي أن يبقي الفلسفة الخلّاقة قاب قوسين أو أدنى منه ... والنظرية النسبية وميكانيكا الكم في القرن العشرين تحاليل فلسفية أساسية لتقليد البحث المعاصر».
ولهذا يحق لنا أن نتساءل عن إمكانية إنتاج الفلسفة ل(نظرية كل شيء) في العلوم الإنسانية كما حاولت فعله العلوم التجريبية في (نظرية كل شيء) في الفيزياء، وهي التي تمثل إبداع نظريات عدة مترابطة كقصة للكون؛ كنظرية الأوتار ونظرية الأكوان المتعددة أو المتوازية. هذا ما يمكن لنا أن نفكر فيه في مرحلة البحث عن أصل الأشياء وأصل العلوم وأصل الفلسفة ؟!!
- صالح سالم
@_ssaleh_