محمد آل الشيخ
مازلت أتذكر، وبمرارة، كيف كان بعض عرب الشمال، واليساريون منهم بالذات، ينظرون إلى المملكة ودول الخليج بدونية، مقسمين الدول العربية كما كانوا يصنفونها إلى دول (المركز) ودول (الأطراف)، فيضعون دولهم في موقع المركز ودولنا في خانة الأطراف.
الظروف والشدائد دائما تبين الأصيل من الرديء المزور، والقوي الراسخ من الهش المتضعضع؛ جاء ما يسمونه الربيع العربي، وثارت براكين ثورات الشعوب، وإذا بالمملكة ودول الخليج أقوى الدول تماسكا وتجذرا ولحمة بين أبناء شعبها، واستقرار في عقدها الاجتماعي بين قياداتها وقاعدتها الشعبية، بينما لم تستطع دول الشمال العربي - ما عدا الأردن الملكية - المقاومة والصمود أمام هذه الزلازل والبراكين الشعبية، فانهارت دول (المركز) وبقيت دول الأطراف التي كانوا ينظرون إليها بعين ملؤها الدونية والاحتقار.
قبل أيام أعلنت أهم عشرين دولة اقتصاديا في العالم - (مجموعة العشرين) - أن اجتماع مجموعة العشرين عام 2020 م سيكون في الرياض. بمعنى أن أهم عشرين دولة في العالم سيجتمعون ويتداولون شؤونهم وقضاياهم، في مهد العرب الأول، ومنطلق الإسلام، لتكون المملكة، هي فعلا لا قولا دولة المركز العربي الأولى؛ والسبب هو الاقتصاد؛ والسؤال الذي يفرضه السياق هنا: ألم يتوفر لعرب الشمال، ذو الشعارات الرنانة، والفارغة في ذات الوقت، ما توفر للملكة من ثروات؟.. الإجابة ببساطة، (نعم)، بل وأكثر من النعم، فقد توفر للعراقيين - مثلا - النفط والماء المتدفق ومناطق أثرية، كان بالإمكان أن تتحول إلى ثروات لاتنضب، لكنهم انشغلوا في التنظير والشعارات والجعجعة، وأهملوا العمل التنموي، وانصرفوا إلى الثورجية اليسارية، وتركوا العقلانية التنموية، الأمر الذي جعلهم في الدرك الأسفل من التنمية الاقتصادية، ناهيك عن الأمن والاستقرار.
قطر سارت في ركب عرب الشمال المفلسين هؤلاء، وتبنت مقولاتهم، واستقدمت أساطينهم، سواء كانوا القومجية أو الإخونج المتأسلمين، فأصبحوا ينظرون لقادتها، ويرسمون مساراتها التنموية، فأقحموها في قضايا، وتحديات، وممارسات ثورية، ستقود قادتها إلى مصير القذافي، الذي تحلق حوله مجعجعون، ومنظرون عروبيون، وأقنعوه أن (إمبراطورية ليبيا العظمى) ستتحقق على يديه، وفي ليلة وضحاها لم يبق من أولئك المجعجعين والمصفقين معه في محنة أحد، وهلك غير مأسوف عليه.
حمد بن خليفة الذي اتضح أنه مازال يحكم قطر ويتحكم في قراراتها، أكاد أجزم أنه سينتهي نهاية القذافي، فعرب الشمال القومجية المتحلقين حوله، ومعهم جماعة الإخوان المفلسين، يُمنون هذا الشيخ الذي يحكم إمارة لا تتعدى مساحتها إحدى عشرة ألف كيلو متر مربع، بأنه إذا تبنى نظرياتهم الثورية التغييرية، سيبني إمبراطورية مترامية الأطراف، على كل بلاد العرب من المحيط إلى الخليج، وصدق المسكين هذه الكذبة المفبركة، وبذر ثروات بلده في هذا الحلم المضحك، الذي لا يمكن لعاقل أن يتبناه. الآن يبدو أنه تنبه إلى أن آماله ومغامراته وطموحاته، أصبحت تبتعد مع كل يوم جديد.
ثوريو عرب الشمال إضافة إلى جماعة الإخوان هم من حشروا قطر في مأزقها الحالي، ولو أن حمد عاقل ولم تكتنفه أحلام اليقظة المجنونة، لأدرك حقيقة مؤداها أن ثوريي عرب الشمال الذين يملؤون قطر، ويسيطرون على إعلامها، لم ينفعوا أوطانهم فلفظتهم، فكيف يمكن لمن لفظه وطنه، أن يُقدم له حلولا؟
إلى اللقاء