خالد بن حمد المالك
توشح اسم دولة قطر بالإرهاب، وكُتب اسمها في سجل التاريخ على أنه مصدر التطرف في العالم، ووسم بظاهرة الانقلابات على حكامها، فهذا الابن يقصي أباه من كرسي الحكم، وهذا الأخ يتآمر على أخيه الحاكم فيتخلّص منه ويجلس في مكانه، وذاك ابن العم الذي وجد نفسه بلا سلطة بعد أن أخذ ابن عمه بانقلاب مكانه في سدة الحكم، وما زال مسلسل المؤامرات بين شيوخ قطر يتواصل، وإن كان في آخر مرة قد تم بإخراج جديد ومسرحية غير مألوفة، وبعملية جراحية لم تعتد عليها دولة قطر، حين أقدم حمد بن خليفة على التنازل فجأة لابنه تميم عن إمارة الدولة في ظروف وأسباب غامضة، لا ندري هل تم هذا التنازل بضغط خارجي أم داخلي، وإن كنا نرجح الأول، حيث ما زال الأب يمسك بمفاصل الإمارة الصغيرة، ويمنع ابنه من أي تغيير في سياساتها، ما جعل من هذا التغيير يبدو وكأنه شكلي، أو أنه تم بدون رغبة وموافقة الأب الذي قال إنه تنازل لابنه الشاب بإرادته وموافقته.
* *
وعلى مستوى ثقافة الشيوخ الانقلابية التآمرية التي لا يحسنها غيرهم، فقد كانت تقتصر على الشأن الداخلي على امتداد تاريخ الإمارة، لكن الجديد في عهد حمد بن خليفة ومن بعده ابنه تميم، أن ثقافة المؤامرة الانقلابية قد توسعت لتمتد إلى خارج قطر، وأن يكون التركيز والاستهداف والهدف الدول الشقيقة، وتحديداً دول مجلس التعاون لدول الخليج العربي، بدليل التسجيلات المصورة بأصوات شيوخ قطر حيناً، وبأصوات مستشاريهم أحياناً أُخر، ما رسخ إيمان الجميع بأن قطر مؤذية، وأن مسؤوليها قد شربوا حتى الثمالة الثقافة العدوانية التآمرية على أقرب الدول والشعوب لهم، إما مدفوعون من العدو الأجنبي، أو كان ذلك بسبب النزعة العدوانية الشرسة المتأصلة في نفوس كل منهم، وأعني بذلك القائمين على نظام الحكم منذ انقلاب حمد على والده خليفة وحتى الآن.
* *
نحن لا نقول هذا الكلام على عواهنه، ولا نحتاج إلى دليل لإثباته، فالأرشيف القطري، غزير بالمعلومات والوثائق والصور التي تتحدث عن هذه التجاوزات الخطيرة، والملفات القطرية تضخ لنا بما لا يمكن أن نجده في دولة أخرى، كهذا النوع من المؤامرات والأطماع، ما يجعلنا لا نستغرب حين نرى الدوحة تتآمر على الرياض وأبوظبي والمنامة والقاهرة وغيرها، بل ربما أصابنا الذهول لو أن قطر التزمت بمبدأ حسن الجوار، واحترمت التقاليد في تعاملها مع أشقائها وجيرانها بخلاف ما تعودنا عليه وألفناه منها، لذلك فنحن نكتب للتاريخ عن هذا المس الجنوني الذي يصيب شيوخ قطر كلما تلاعب إغراء الكرسي في رؤوسهم وفي تحريك نوازع الشر لدى كثير من هؤلاء الشيوخ ولا نعمم.
* *
وهذا التصعيد غير المعتاد من الدول الأربع مع قطر لم يكن مفاجئاً أو بلا سبب، بل إنه إجراء احترازي بعد امتداد الثقافة القطرية الانقلابية إلى الخارج، واستخدام دولة قطر من قبل أعدائنا كقاعدة للإضرار بنا، أكثر منه تصعيداً للمساس بمصالح قطر، أو كما يدّعي شيوخ قطر بأنه حصار لقطر لمنع الغذاء والدواء عن شعب قطر الذي هو عوض النفس بالنسبة لنا، فكيف بنا أن نقبل بأن نمارس هذا الزعم الكاذب ضد شعب قطر الشقيق الذي لا يقول به إنسان رشيد، بينما حقيقة الأمر أن من يحاصر قطر وشعبها العزيز هي هذه الدول وتلك المنظمات وهؤلاء الأشخاص الذين استولوا على قطر، وحولوها إلى مستعمرة مؤذية للقطريين، مضرة لأشقاء قطر، ضمن تآمرها على اختراق هذا التجمع الخليجي الذي تضرب به الأمثال في التآخي والتعاون والعمل المشترك.
* *
فإذا كانت دولة قطر قد استسلمت وسلّمت أمرها وقرارها وإرادتها للغريب، وإذا كانت قد استحسنت ما يقوله هؤلاء لها، بما في ذلك الممارسات العدوانية التي تمس أمننا واستقرارنا، فهي كمن يبحث عن مشاكل هي في غنى عنها، وهي بهذه التصرفات إنما تضع نفسها في خدمة العدو، وتقبل بأن تكون خنجراً في خاصرة هذه الأمة الخليجية الحيَّة، باصطفافها مع العدو في فريق واحد ضد مصالحنا، وهذه الممارسات في حسابات دولنا موانع أمام أي تفاهم، وعقبات لا يستقيم الصلح ولا يستمر بوجودها، فهل الدوحة في حال النزول إلى مستوى التصرف العاقل، والفهم الواعي، والقبول بما يلبي ويحقق المصالح المشتركة لكل دول مجلس التعاون وبينها قطر، أم أننا أمام تهور قطري، تتحكم بالقرار فيه مجموعة من الغرباء، ومن هم دون مستوى تحمل المسؤولية من القطريين.
* *
لقد أكثرنا من القول، ووجهنا رسائلنا واحدة بعد الأخرى، وكتبنا ما كتبناه عن أزمة قطر مع نفسها، وأزمتها مع شقيقاتها، يدفعنا الخوف عليها، وأحياناً الخوف منها، فنحن أمام مساحة صغيرة من الأرض مجاورة لنا يعبث بها العدو، ويخطط منها لتصدير الإرهاب إلى دولنا، وفيها يجد الملاذ الآمن، والبيئة المناسبة، والتمويل المادي بلا حدود، وهناك من يريدون من دولنا أن تلتزم الصمت، وأن تقبل بهذا الوضع، وأن تتسامح مع مؤامرات بهذا الحجم، بدعوى أن أي مواجهة مع قطر سوف يشجعها إلى الارتماء بأحضان إيران وتركيا وإسرائيل، وأن أي تصعيد معها سوف يجعلها في حل حين تفتح أبوابها لكل عدو لنا، وكأن قطر بريئة من كل هذا قبل التصعيد الأخير، وكأن قطر كانت في مرحلة مراجعة لمواقفها المشبوهة، وأنها فقط تحتاج إلى شيء من الوقت للاغتسال من كل جرائمها وإرهابها.
* *
فهل بقي أمام المملكة والإمارات والبحرين ومصر من فرصة لتحسن الظن بشيوخ قطر بعد أن أُعلن أمام الملأ ما تم الاتفاق عليه مع شيخ قطر للابتعاد عن دعم الإرهاب، والترفع عن ممارسة التطرف، ضمن بنود أخرى كثيرة كان قد وافق ووقّع عليها الشيخ تميم، مثل قطع العلاقات، والشروط الثلاثة عشر التي عليه أن يلتزم بها حتى تعود العلاقة بين قطر وكل من الدول الأربع، فإذاكان شيخ قطر يرى أنه في حل من كل التزام سابق وقَّع عليه، وغير مستعد للقبول بأي اتفاق جديد، وأنه لا يقبل بما يسميه تدخلاً في سيادة بلاده وشؤونها الداخلية، مطلقاً العنان لتصرفات رعناء ضد مصالح جيرانه وأشقائه، يندرج تحتها المؤامرات والتطرف والإرهاب والتدخل في شؤونها الداخلية، واستخدام وسائل الإعلام في التجني عليها، إذا كان هذا موقفه فإنه لا أمل أمامه لتكون قطر دولة غير منبوذة بين مجتمعها، إلا أن يكون لا يقرأ التاريخ، ولم يطلع على تجارب الآخرين.
* *
ما نتمناه أن تهدأ الأوضاع، وأن يدرك الشيخ القابع في قصره بالدوحة، أن معالجة الأزمة القطرية تتم سريعاً وبشكل هادئ وبأخوة ومحبة متى تجاوب مع أشقائه بعدم دعم وتمويل وإيواء الإرهاب والإرهابيين، وهذا مطلب عالمي وليس مطلباً للدول الأربع، فإن أصر على موقفه برغبته أو رغبة غيره، بتأثير خارجي أو داخلي، فهو كمن يبحث عن مزيد من التصعيد الذي يلقي بأفدح الأضرار للدولة القطرية، ولن يستفيد من ذلك إلا إسرائيل وإيران وتركيا والمجموعات الإرهابية التي تقيم معزَّزة ومكرَّمة في دولة قطر.