عبدالعزيز السماري
أشعر بالدهشة عندما أقرأ في الإعلام عن خطر إفلاس التأمينات الاجتماعية؛ وذلك لسبب بسيط، هو أن نظام التأمينات في السعودية يقتطع نسبة عالية، تصل إلى 22 % من قيمة الراتب، تُدفع مناصفة بين المواطن العامل والمؤسسة.
علاقتنا بنظام التأمينات أقرب للقسمة الضيزى، أو الجائرة؛ إذ تُعتبر هذه النسبة المقتطعة للتقاعد من أعلى النِّسب في العالم، وهي أكثر من خمس الراتب عند سقف محدد، وقد تكون في رقمها العالي أقرب لنظام الضريبة الشاملة في بعض دول العالم، التي توفر مختلف الخدمات لمواطنيها من تعليم جامعي وصحة وتقاعد، ومع ذلك يشتكون من خطر الإفلاس..
من خلال مراجعة لرسوم التقاعد في دول مثل سويسرا والسويد وكندا وبريطانيا.. سنكتشف التفاوت الكبير بين دول تقدِّم خدمات عالية لمواطنيها.. ففي سويسرا - على سبيل المثال - 5.125 %. ولذلك نحن نتساءل عن مصير هذه الأموال، ولماذا تقتصر خدماتها فقط على التقاعد؟ ولماذا لا تشمل التأمين الصحي للمتقاعدين من القطاع الخاص؛ وهو ما يدعو لفتح الأبواب على العمل الإداري والاستثماري في هذه المؤسسة.
ويكون ذلك أولاً بالمطالبة بخفض نسبة الاقتطاع لسبب أنها لا تقدم أي خدمات إضافية للمواطن بالرغم من حجم الأموال الهائلة التي يتم تحويلها إليهم. وثانيًا أن تكون هناك رقابة من جهات محايدة وقانونية ومالية للاستثمارات في أموال التأمينات، وهل توجد خسائر؟ أو فساد مالي؟ وذلك لمعرفة سبب شكاواهم المتكررة من خطر الإفلاس.
والتحقق من عدم قدرتها على الارتقاء بأدائها الاستثماري لأصولها الضخمة التي تصل إلى 540 مليار ريال، ومع عائد 3 % فقط! أو ما يعادل 14.4 مليار ريال، وفقًا لآخر تقاريرها الذي تمت مناقشته في مجلس الشورى أخيرًا؛ وهو ما يعني ضعف العمل الاستثماري في المؤسسة السعودية للتأمينات.
ومن ناحية أخرى، ندعو لفتح باب الحوار من خلال الرؤية السعودية للمستقبل عن تطبيقات نظام التأمينات في السعودية، ولماذا يقتصر فرضه فقط على العاملين السعوديين براتب محدد دون غيرهم من السعوديين، بينما من المفترض كبقية دول العالم أن تكون تطبيقاته على الجميع، وبلا استثناء، أي أن يشترك فيه أي مواطن لديه دخل، سواء كان ذلك من بيع أغنام أو قيادة سيارة أجرة أو من حراج السيارات.. أي مصدر مالي، سواء كان تجارة أو عبر هدايا معلنة، وتُحوَّل بشكل دوري.
ومن المقترحات المجدية للطرفين أن تكون هناك مراجعة لنظامها، وأن نحذو المثال السويسري، وذلك بخفض النسبة، وإلغاء سقف الراتب أو رفعه إلى الضعف. وأما في حالة الاستمرار في النظام نفسه فيجب أن لا تقتصر خدمات التأمينات على نظام التقاعد، وأن يكون من ضمن تأمينها الاجتماعي أن يدخل فيها التأمين الصحي للعاملين بعد التقاعد.
يستحق المواطنون العاملون الذين أفنوا أعمارهم في مجال العمل، ويدفعون نِسبًا عالية من رواتبهم عند مقارنتها بدول العالم، أن يكون هناك قدر عالٍ الشفافية؛ فكثير من المعلومات حول عمل هذه المؤسسة الوطنية لا تتوافر لدى من يرغب في التعرف عليها.
كلنا أمل بأن تكشف لنا الرؤية السعودية الجديدة عن القسمة الضيزى في نظامها التعاقدي مع المواطن العامل، ومعالجة الخلل البيروقراطي فيها قبل أن تصل إلى حافة الإفلاس كما يعلنون، وأن لا تضيع الأموال الطائلة والنِّسب العالية من الاقتطاع هدرًا في أسواق الأموال والاستثمارات الخاسرة.