في صبيحة يوم أغر من أيام شهر رمضان المبارك لعام 1438هـ وهو يوم السادس والعشرون صدر الأمر الملكي الكريم باختيار صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود ولياً للعهد.
وبحكمة بالغة، وحنكة سياسية متميزة، تضع نصب أعينها أهمية الاستقرار الداخلي في هذه المرحلة البالغة الحساسية، حرص المقام السامي الكريم على تضمين الأمر الملكي تعديلاً للفقرة (ب) من المادة الخامسة من النظام الأساسي للحكم لتكون كما يلي:
«يكون الحكم في أبناء الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود وأبناء الأبناء، ويبايع الأصلح منهم للحكم على كتاب الله تعالى وسنة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، ولا يكون من بعد أبناء الملك المؤسس ملكاً وولياً للعهد من فرع واحد من ذرية الملك المؤسس».
وغني عن البيان فإن المملكة العربية السعودية - بفضل الله - ثم بحكمة أولي الأمر فيها - تعتبر نموذجاً فريداً من حيث قيام الحكم فيها على مبادىء وأحكام الشريعة الإسلامية، والتي ولا شك تمثل منهجها الثابت في صياغة وتحديد طبيعة علاقاتها سواء على الصعيد الداخلي أو على الصعيد الخارجي فيما يتعلق بعلاقاتها الدولية، وهي لا تزال تتمسك بهذه المبادىء وتؤكد على ذلك منذ عهد الملك المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود - طيب الله ثراه - حتى يومنا هذا.
وتجدر الإشارة إلى أن أول نظام للحكم صدر في عهد الملك عبد العزيز آل سعود منذ بداية تكوين الدولة الفتية كان بمكة في 16-2-1345هـ الموافق 24-8-1926م، تولت صياغته جماعة كانت تعرف بـ(الجمعية العمومية) ونشر في الجريدة يوم 25-2-1345هـ الموافق 3-9-1926م باسم: «التعليمات الأساسية للمملكة الحجازية» ومما جاء فيها: (جميع أحكام المملكة تكون منطبقة على كتاب الله وسنة رسوله وما كان عليه الصحابة والسلف الصالح، وإن الدولة السعودية ملكية شورية إسلامية)، وقد أكد الملك المؤسس - رحمه الله - على هذا النهج في الجلسة الافتتاحية لمجلس الشورى عام 1349هـ - 1930م فقد قال: (إنكم تعلمون أن أساس أحكامنا ونظامنا هو الشرع الإسلامي).
وكما أسلفت، فإن التمسك بتحكيم كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم هو ديدن أولي أمرنا منذ التأسيس المبارك وحتى الآن، وهو بالفعل ما أكد عليه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز - حفظه الله ورعاه - حيث قال: «ملوكنا منذ عهد الملك المؤسس، والملك سعود، والملك فيصل، والملك خالد، والملك فهد والملك عبد الله (رحمهم الله)، على نهج أسلافهم ووالدهم، النهج الذي يجمع ولا يفرق، وهذه الدولة ولله الحمد، يسهر ملوكها على مصالح شعبها، فالحمد لله ملوك متعاونون، وشعب متجاوب، وهذه نعمة من الله.. وأضاف: «إن هذا المكان بدىء منه توحيد المملكة من خلال 63 فرداً، وجمع الشعب، وكونت الوحدة في هذه البلاد على كتاب الله وسنة رسوله وهذا ولله الحمد، توفيق من الله للملك عبد العزيز ورجاله: أن يوحدوا هذه البلاد، حتى أصبحت بلاداً موحدة تعتز بدينها وتعامل بكتاب الله وسنة رسوله».
ومن الثابت تاريخياً أن أبناء الملك المؤسس - رحمهم الله - خاضوا معه معارك التوحيد وهم لا يزالون شباباً يافعين، ومن المعروف أنهم رغم حداثة أعمارهم آنئذ إلا أنهم أبلوا بلاءً حسناً فيما أوكل لهم من مهام كانت على درجة عالية من الأهمية والخطورة.
ولعلي إذ أشير إلى ذلك إنما قصدت التأكيد على أن شباب هذه الأسرة الميمونة كانوا - ولا يزالون - أصحاب دور ملموس في الحكم والقيادة، كما وأن هذا الدور لم يكن جديداً، ولا طارئاً، بل هو امتداد لما اضطلع به الرعيل الأول من تضحيات كان من نتيجتها توحيد مملكتنا تحت راية (لا إله إلا الله محمد رسول الله) ومن ثم بناء هذا الصرح الشامخ الذي ولد بفضل الله، ثم بجهودهم - عملاقاً، صلباً، قوياً، يعمل بدأب لنشر العدل والأمن والسلام في ربوع المعمورة.
ولا مراء في أن ما حدث مع الرعيل الأول - أبناء الملك المؤسس رحمهم الله - حين خاضوا معارك التوحيد وهم شباب - وما يحدث الآن - من تسليم أبناء الجيل الثاني مسؤولية الحكم والقيادة - إنما يمثل استهداءً واستلهاماً لما أولاه نبينا صلى الله عليه وسلم، حين منح شباب المسلمين الثقة وتحمل المسؤولية، يوم أن أسند قيادة جيش مؤتة لزيد بن حارثة وهو شاب وجعفر بن أبي طالب وهو شاب وعبد الله بن رواحة وهو شاب كأول معركة بين المسلمين والرومان.. بل إن النبي صلى الله عليه وسلم أسند لأسامة بن زيد قيادة جيش فيه رجال من كبار الصحابة أمثال أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، وقد كان عمر أسامة آنذاك ثماني عشرة سنة.
وكما هو معلوم أيضاً فإن النبي عليه الصلاة والسلام أرسل معاذاً إلى اليمن وإلى قوم ليسوا على مذهبه ولا ملته ولا ديانته، وهو لا يزال بعد في ريعان شبابه ويقول له: (إنك ستأتي قوماً أهل كتاب - يعني ليسوا بمسلمين - فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إلا الله وأن محمداً رسول الله، فإن هم أجابوا لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة) إلى آخر توجيه النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ.
وهذا ابن مسعود رضي الله عنه يقول فيما رواه الإمام أحمد في مسنده: (كنا نغزو مع النبي صلى الله عليه وسلم ونحن شباب ليس لنا نساء) يعني: لم نتزوج بعد، لا نزال فتية، لا نزال في بداية الشباب وفي مستهل حياة الشباب.
كما كان أصغر فاتح في الإسلام هو محمد بن القاسم الثقفي مؤسس أول دولة إسلامية في الهند، ولذلك يبقى اسمه شامخاً في سجل الفاتحين الأبطال.
وقد عينه الحجاج بن يوسف الثقفي أميراً على ثغر السند وهو لم يتجاوز 17 عاماً.
وكان عبد الرحمن الناصر أقوى ملوك أوروبا في القرون الوسطى، وقد استلم الحكم وهو يبلغ من العمر 22 سنة فقط.
وصفوة القول إن اختيار مليكنا سلمان بن عبد العزيز - حفظه الله - لصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولياً للعهد ليس بدعاً، بل إن ما جاء في السنة المشرفة والسيرة العطرة يعضده ويؤيده.
وفوق ذلك كله، فإن صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولي العهد وفقه الله يملك المؤهلات القيادية التي تمكنه بعون الله من تحمل المسؤولية، فضلاً عما لديه من خبرات واسعة ومتعددة جمعت بين المسؤوليات الكبيرة حين عين مستشاراً بهيئة الخبراء بمجلس الوزراء، بتاريخ 22-3-1428هـ، ومستشاراً خاصاً لأمير منطقة الرياض في تاريخ 28-12-1430هـ، وذلك قبل أن يصدر خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله - رحمه الله - مرسوماً ملكياً بتعيينه «وزير دولة وعضو مجلس الوزراء» في عام 1435هـ. ثم عين ولياً لولي العهد ووزيراً للدفاع في عهد الملك سلمان حفظه الله ورعاه.
وبين الأعمال السابقة على ذلك والتي تنطوي على تفاصيل هامة تتعلق بالمشاركة المجتمعية العامة، من خلال شغله لمنصب أمين عام مركز الرياض للتنافسية ونائب الرئيس ورئيس اللجنة التنفيذية لجمعية الأمير سلمان للإسكان الخيري، ورئيس لجنة تنمية الموارد المالية في الجمعية الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم بالرياض، وعضو اللجنة التنفيذية العليا لتطوير الدرعية، وعضو المجلس التنسيقي الأعلى للجمعيات الخيرية بمنطقة الرياض، ومستشاراً خاصاً لسمو رئيس مجلس إدارة دارة الملك عبد العزيز وعين مستشاراً خاصاً لولي العهد، ثم مشرفاً على المكتب الخاص لسمو ولي العهد، وكلف بالإشراف على الشؤون الخاصة لسمو ولي العهد. وهذا إلى جانب عضوية مجلس أمناء جمعية ابن باز الخيرية، ونائب رئيس مجلس إدارة جمعية الأمير سلمان للإسكان الخيري والمشرف على اللجنة التنفيذية للجمعية، والرئيس الفخري للجمعية السعودية للإدارة، وعضو فخري للجمعية الوطنية الخيرية للوقاية من المخدرات، ورئيس اللجنة التنفيذية لجائزة الأمير سلمان بن عبد العزيز لشباب الأعمال، وعضو مجلس إدارة جمعية البر بمنطقة الرياض، وعضو مجلس إدارة جمعية تحفيظ القرآن الكريم بمنطقة الرياض، ورئيس مجلس الموارد المالية بجمعية تحفيظ القرآن الكريم بمنطقة الرياض، وشغل منصب رئيس مجلس إدارة مركز الأمير سلمان للشباب، ورئيس مجلس الأعضاء الفخريين لجمعية الأيادي الحرفية، وأحد مؤسسي جمعية ابن باز الخيرية لتيسير الزواج ورعاية الأسرة، ورئيس مجلس إدارة مدارس الرياض ورئيس اللجنة التنفيذية، وأيضاً مؤسساً ورئيس مجلس إدارة مؤسسة محمد بن سلمان بن عبد العزيز الخيرية.
إذن فحضرة صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولي العهد تمرس في الحياة، وخاض غمار تجارب الإدارة المتنوعة قبل أن يصدر المرسوم الملكي الكريم بتعيينه ولياً للعهد في صبيحة السادس والعشرين من رمضان 1438هـ.
ولا أبالغ إذا قلت إن تعيين سموه الكريم ولياً للعهد قد صادف محله، فهو - تحت قيادة خادم الحرمين الشريفين وتوجيهاته الكريمة - حفظه الله - يعتبر حالياً العقل الاستراتيجي لتوجيه دفة الاقتصاد السعودي، وهو في سبيل ذلك يعمل خارج الصندوق، ولذا فإنه دأب على إعادة تأهيل وتنشيط المؤسسات والهيئات الحكومية، ولتكون عملية اتخاذ القرار في الحكومة برمتها أكثر تبسيطاً، ناهيك على ما لهذا التعيين من تأثير إيجابي في السياسات الداخلية والإقليمية. ففي الداخل، دشن سموه (رؤية 2030)، وهي خطة طموحة لإنهاء الاعتماد الكلي على النفط. مع إيلاء أهمية كبيرة لدور القطاع الخاص المتزايد، ولتوفير وظائف جديدة للشباب السعوديين. وفي الخارج يعمل مع خادم الحرمين الشريفين على ضرورة تصدي المملكة للاستفزاز الإيراني، وهو أمر كما قال سموه الكريم فرض على المملكة فرضاً.
وفي هذا المقام أنوه إلى أن سمو ولي العهد في لقاء تلفزيوني أجراه مؤخراً أشار إلى أن حكومة المملكة العربية السعودية تتعامل مع التحديات الداخلية ومستجدات التحديات الإقليمية وكذلك العالمية بموضوعية ومنهج جديد، يتماشى مع العصر، ومع الظروف الداخلية، إضافة إلى الواقع الإقليمي الجديد الذي تمتد تأثيراته لتتخطى الحدود، وتؤثر في الداخل، وذلك كله بأسلوب ينم عن وعي بما يجري في الداخل وفي الخارج، وإدراك كامل لما يجب اتخاذه من إجراءات لمجابهة كل هذه المؤثرات.
وفي ختام هذه الإيماءة السريعة لا يفوتني أن أثمن حكمة صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف بن عبد العزيز الذي قاد سفينة الأمن بعد أن استلم زمامها بعد رحيل والده الأمير نايف بن عبد العزيز رحمه الله باني نهضتنا الأمنية، حين سارع إلى مبايعة أخيه ولي العهد ودعا له بالتوفيق والسداد. وهو موقف نحمد الله عليه في الأولى والآخرة أسأل الله بمنه وكرمه أن يوفق سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان لكل خير وأن يهيىء له الأعوان المخلصين والمستشارين الصادقين وأن يحفظ هذه البلاد المباركة من كيد الكائدين ومن عداوة المعتدين وأن يديم عليها نعمة الإسلام والأمن والأمان في ظل قائد مسيرتنا وراعي نهضتنا خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وسمو ولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان حفظهما الله من كل سوء، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
- المستشار والمدير العام للإدارة العامة للمتابعة بوزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد سابقاً