د. محمد عبدالله الخازم
يمثل العمل الدبلوماسي بقيادة السفير مهاماً تتجاوز مجرد منح التأشيرات والتمثيل في الأعياد أو المساعدة في حل مشاكل المواطنين القانونية أو ذات الطبيعة الخاصة كالقضايا الأمنية. تلك مهام إدارية بيروقراطية روتينية. المهمة الأكبر والتي تبين ذكاء السفير وفريقه السياسي تتمثل في ما هو خلف الحدث أو ماهو خلف الصورة كما يقال. الدبلوماسية أو السياسة هي ليس ما يظهر في العلن بل مايقدم خلف الكواليس. وهنا يمكن القول بأن السياسة تعتمد مبدءاً (براقماتياً) بالدرجة الأولى، في استخدام وسائل مختلفة لتحقيق غايات وطنية. وحتى لا يحتج علي الأكاديمي هذا ليس تعريفا علميا بقدر ماهو وصف عام...
هذا كلام ألف باء الدبلوماسية، ونضيف بأن أهم صفات الدبلوماسي هي إجادة بناء العلاقات والتحالفات المعلنة والخفية. ومن خلال متابعة للعمل الدبلوماسي السعودي في عدد من الدول، أعتقد أن هناك حاجة إلى حلقات نقاش - ليس بالضرورة معلنة - تبحث بعض جوانب القصور في العمل الدبلوماسي. ليس منطقياً أن يتقوقع السفير في مكتبه وينشغل بقضايا هامشية لنفاجأ بتبني قوانين تمسنا في الدولة التي يمثلنا فيها. هذا يعني أنه لم يكن لدينا العلاقات والتفاهمات الكافية التي تكسبنا أصدقاء داخل تلك الدولة وتمنحنا معلومات استباقية عن تفاصيل ذلك القانون وخطط واضحة لإفشاله، مما جعلنا في موقف الدفاع المتأخر.
أحد نقاط الضعف التي تؤثر على العمل الدبلوماسي هي عدم فهم المسؤول الدبلوماسي لطبيعة وديناميكية الحراك الثقافي والاجتماعي والاقتصادي السياسي بالبلد الذي يمثلنا فيه. على سبيل المثال؛ نحن دولة مركزية والحكومة المركزية تسيطر على كافة القرارات، لكن هناك دول فدرالية والعمل على مستوى الولايات والمقاطعات وبالذات في الجوانب التجارية والاقتصادية وفي التمثيل في المجالس التشريعية منبعه غير مركزي. الدبلوماسي العادي يذهب إلى تلك الدولة ويقوم بعمل روتيني بالعاصمة، بالتركيز على العلاقة مع الحكومة الفدرالية معتقداً أن النظام بتلك الدولة يماثل نظامنا.
استيعاب طبيعة النظام والقوى الفاعلة بالمجتمع هي أهم ما يجب أن يتعلمه الدبلوماسي في البلد الذي يعمل فيه، على سبيل المثال قد نرى أننا كنا متميزين في بلد ما عندما كنا مستوعبين طبيعة التحالفات القبلية والسياسية فيه ولكن عندما ضعفت دبلوماسيتنا الخفية وصار العمل الدبلوماسي مجرد عمل إداري تراجعت تحالفاتنا بخسارة حلفاء مهمين وانتهينا بدخول حرب مزعجة للجميع.
في أي دولة هناك أصحاب المصالح الراغبين في الاستفادة منا، يطرقون أبواب السفارات. السفير الخامل يتحول إلى مسوق لهم بالمملكة، وكأنه صاحب المجهود في استقطابهم. بينما المبادر يذهب للمؤسسات المتميزة فيطرق أبوابها ويستقطبها. ألا تلاحظون بعض المؤسسات الأجنبية تجد التسويق داخل السعودية وتعقد الصفقات دون غيرها بتزكية من سفاراتنا، التي تسهل مهامها؟
لست أكتب هنا سياسة، وإنما أمور تتعلق بالعمل الدبلوماسي. هل نحن راضون عن أداء ممثلينا الدبلوماسيين في مختلف بقاع العالم؟ هل هناك آليات واضحة لتقييم أدائهم الدبلوماسي والإداري؟ هل يتم مراجعة أسس اختيارهم لكل دولة؟ هل الكوادر الإدارية والفنية المساندة للدبلوماسي الأول مؤهلة بشكل كاف للقيام بأدوارها المطلوبة منها؟