عروبة المنيف
عندما نطالع مقاطع للفيديو تتعلق بمسنين أو مسنات تجاوزوا الثمانين عاماً وأكثر وهم في قمة الصحة والنشاط والحيوية، يمارسون التمارين الرياضيه، يعزفون، يرقصون، يتسابقون، ينتجون أعمالاً فنية إبداعية ويلعبون الألعاب البهلوانية التي لا يستطيع اليافعون من الشباب ممارستها، نصاب بالصدمة وبحالة عدم تصديق لما نراه من أداء مبهر ومن الصحة والعافية والحيوية التي يتمتعون بها، نتساءل، من أين أتتهم تلك العافية والقوة والقدرة، وهم في ذلك السن المتقدم؟.. لقد رسخت في أذهاننا معتقدات بأن كبار السن يعانون العجز والوهن والتعب عند بذل أي مجهود وتتملكهم الأمراض المزمنة، لنقف مشدوهين أمام تلك القصص غير مصدقين لما نراه بأعيننا من عجائب يقوم بها هؤلاء المسنون.
إن تلك المعتقدات التي تسيطر علينا عند سماع كلمة «مسنين» ما هي إلا موروثات راسخة في أذهاننا، وبالطبع أذهان المسنين أنفسهم، ما يجعلهم عرضة للاكتئاب وما يصاحبه من قلق وخوف من المرض والموت، وتزداد تلك المعتقدات رسوخاً في العقل اللاواعي من خلال الإعلام والعائلة والمجتمع، ونتلقى على الدوام رسائل على لسان المسنين منها على سبيل المثال « كنت أنا والصحة نبحث عن المال واليوم أنا والمال نبحث عن الصحة»، أو ترديد بيت شعر للشاعر الجاهلي زهير بن أبي سلمى «سئمت تكاليف الحياة ومن يعش..... ثمانين حولاً لا أبا لك يسأم»، وبيت شعر لأبي العتاهيه»ألا ليت الشباب يعود يوماً.... لأخبره بما فعل المشيب».. وغيرها من رسائل يتم تحميلها في العقل اللاواعي لينتج عنها برامج ومعتقدات سلبية بشأن حال التقدم في السن.
هذا الستيريوتايب المرتبط بالتقدم في السن يساهم في تبنى أفكار تدعم تلك المعتقدات السلبية، ولكسر تلك الصورة النمطية ينبغي أن نوضح العلاقة بين التفكير والجسد والروح وتأثير ذلك في عملية التقدم بالسن، فعندما يؤكد الإنسان على نفسه بأنه كبر في السن وبأنه لن يستطيع صعود السلم، ولن يستطيع السفر والترحال، لأنه يشعر بالتعب والوهن والكبر، فهو بذلك يتبنى أفكاراً ستصبح برامج في ذهنه ليعبر عنها الجسد تباعاً، فالصحة والعافية هي ثمرة للمواقف الذهنية الإيجابية، وجميع الأفكار تملك أشكالاً، والقبول بفكرة معينة يعني إيصالها لمستوى الوعي الإنساني وهذا ما يجعلها تعبر عن نفسها داخل الجسد، فلا بد بداية من إيصال الفكرة إلى الذهن للوعي بها وإدراكها وفهمها.
إن العمر العددي الزمني ليست له قوة محددة؛ وما يؤثر علينا فعلياً هو قوة معتقداتنا حول العمر وكيف نتبناها في أذهاننا. فكيف نفسر وجود أشخاص يرقصون ويعزفون ويلعبون الكرة الطائرة والألعاب البهلوانية ويؤلفون ويبدعون ويستمتعون بالقوة والعافية والصحة وهم في عمر الثمانين والتسعين، بينما آخرون في نهاية عمر الخمسينات وبداية الستينات يستعدون للقبر!!.
إن ما نخشاه نتبناه في الذهن وما نتبناه في الذهن يتجلى، فالمخاوف من التقدم في السن ستتجلى عندما ندرجها في أنظمة الاعتقاد لدينا، لذلك ينبغي أن نكون حراساً على أذهاننا.