سام الغُباري
تشظى التجمع اليمني للإصلاح بين عدد من الدول، تاه بين الدولة والثورة، زاغ بين الدستور والمبادرة، اضطرب ولاؤه بين حزب وجماعة، انقسم بين الشمال والجنوب، يتوجس من الإمارات ويخشى السعودية فيغرد لقطر في الخفاء، يرى أن رضوخ «تميم» للمطالب العربية سيكشف عنه الغطاء المالي والسياسي والإعلامي، فقد تأكلهم أبوظبي إن صمتوا عن قطر، وأما لو طاح «أردوغان» بأي وسيلة فسيفقد الإصلاحيون عقولهم.
- يدركون جيدًا أن معركتهم في الجنوب اليمني خاسرة، وأن عليهم دفع أثمان باهظة لمحاولاتهم «الغريبة» في الاستحواذ على كل انتصار، ومنها معركة عدن التي ساهموا فيها كـ «جنوبيين» بالقتال ضد الهمجية القادمة من الشمال. كانت معركة شريفة وعظيمة في مقاومة المتمردين على الرئيس الشرعي ولجوئه إلى عشيرته التي تؤويه. وفي لمعة النصر مع تراكم جثث الحوثيين في شوارع الجنوب زعموا أنهم «وحدهم» من فعل ذلك! وفي مأرب يدعون تلك العبارة أيضًا «لا أحد يقاتل سوانا»! واليوم يصرخون على عدن دفعًا لبلاء تكرار ما حدث لهم فيها، وباعتقادي إن إخراجهم عنوة من المشهد الحيوي للشرعية سيكون سببًا في صياغة مبادرة جديدة، فيما لو ظهر «عيدروس» جديد من مأرب فلن يسكت الإصلاحيون على الموطئ والموطن الأخير لهم.. وستحدث الفتنة التي ستتحول إلى معركة وجود.
- لا نريد للإصلاح الهزيمة، إنما نحثه على مزيد من المرونة لأجل المستقبل الذي يقلقهم كما يقلقنا. هزيمتهم في يمن 2014م أوجدت فراغًا عقديًّا هائلاً، ملأه الحوثيون المتعصبون بالأهواء المذهبية المرذولة في محاولة لإعادة إنتاج مجتمع طائع لسلالة استحواذية متكبرة، وما يجب على الإصلاح أبعد من اعترافه بأخطاء المشاركة في «ربيع» الفوضى الهدامة انتقالاً إلى إعادة تأسيس نفسه كحزب وتراجعه كـ «جماعة» والتمسك بالديمقراطية كأساس للانتقال السلمي للسلطة، والقبض بأيد فولاذية على التعددية السياسية الحقيقية دونما خداع.
- لا أدري في كل هذا ما الذي يفتن الإصلاح بـ «الربيع العربي»؟ لقد خسروا لأجله وتحملوا وزره أكثر من أي جناح آخر. فك ارتباط الإصلاح بتلك الكارثة الثورية سيؤدي إلى تراجع كبير ومؤثر في الحرب وفتح أبواب السياسة التي أغلقت أبوابها في وجه الإصلاح ومنعته من العبور إلى الحكم المطلق. فصل خلية «إسطنبول» عن الإصلاح ومنعها من ممارسة ابتزازها العلني عليهم سيؤدي إلى ترجيح كفة العقلاء المهذبين والتقارب مع الأحزاب السياسية القوية مثل المؤتمر الشعبي العام الذي «اضطر» للاستعانة بـ»ثورية» الحوثيين لإيقاف الثورية المحمومة التي انتابت الإصلاحيين، وأعادتهم إلى أصلهم كجماعة دينية لا تؤمن بالسياسة أو العمل الديمقراطي والحزبي.
- توريط التجمع اليمني للإصلاح بـ»الثورة» المضادة للجمهورية أبعده عن قيمه الديمقراطية التي تأسس من أجلها، وناضل في سبيل ترسيخها، وأدى تصدره المتهور لمشهد «الربيع» إلى اختلال عميق في وجوده كـ»حزب» وتصرفه بعصبية مليشياوية مستندًا إلى بقايا قواته العسكرية في الجيش لمنع أي تصرف عنيف من نظام المخلوع «صالح» تجاه أنصاره الذين ملؤوا خيام ساحة جامعة صنعاء. حتى «حميد الأحمر» الذي تفاخر بأنه رأس الربيع ونخلته ونحلته وجد بعد أوان قاس أنه مجرد «مخلب» لإسقاط نظام بائد، كانت عائلته إحدى أركانه التي هدمها بيديه متوهمًا قدرته على تطويع شباب جدد، انفلتوا في ساحة مفتوحة حتى ساحت أمانيهم، وألهبت قدميه، وقد رأوا فيه نسخة مكررة ومكروهة من النظام القبلي - المشيخي المحدد كهدف للإزالة.
- سيبقى ثوار الربيع عائقًا لكل شيء جميل في اليمن، سيتكاثرون في وسائل التواصل الاجتماعي مثيرين جلبة عارمة وفوضى دعائية تخترع المزيد من الشائعات والأوهام، وتمارس السخط المحموم على كل شيء في ظل تدني فرص العودة إلى الدولة. وعلى القيادات اليمنية الكبيرة إغلاق هواتفها الذكية واتخاذ قرارات أكثر جرأة لتشغيل خاصية السياسة وهدم خرافة الربيع وترك العالم الافتراضي لأصحابه الذين لا سبيل يرتجى في توحيدهم.
وإلى لقاء يتجدد.