غسان محمد علوان
لا يزال اتحادنا العزيز لكرة القدم يحوم حول الحمى متخوفًا من الضرب بيد من حديد على المتقاعسين في تأدية الحقوق المترتبة عليهم تجاه اللاعبين أو الوسطاء أو أندية أخرى. هذا الهروب من مواجهة الواقع، وعدم الذهاب لأصل المشكلة في محاولة لاستئصالها من جذورها، هو امتداد لضعف القرار تجاه الأندية المتسترة خلف عبارات مثل (نادٍ كبير) أو (نادٍ جماهيري) أو (إحدى ركائز الكرة في بلادنا).
فبعض أنديتنا، وبمباركة الاتحاد السعودي لكرة القدم، ما زالت متخلفة في سداد رواتب لاعبيها أو دفع التزاماتها تجاه (الديانة)، ورغم ذلك تبرم الصفقات الواحدة تلو الأخرى بلا حسيب أو رقيب بمباركة من اتحاد ارتضى لنفسه أن يكون معول هدم لا إصلاح، وشريكًا في ظلم بواح، حرم لاعبين وأسرهم من مستحقات واجبة لهم.
في كل مرة تتراكم فيها الديون على الأندية يسارع اتحادنا الموقر لمحاولة تقليل بركة الدون مستخدمًا ملعقة شاي، بدلاً من محاولة إغلاق منبع كل تلك الديون المغرقة.
فها هو مرة أخرى يخفض من أجور اللاعبين في توجه لا احترافي، يخنق به كل أساسيات السوق التنافسي، ومساويًا بين اللاعب الجيد واللاعب الممتاز واللاعب الاستثنائي. قد يقول قائل: (ولكن تعويض تلك الفوارق سيكون في مقدمات العقود). وأقول: صدقت، ولكن ما هي آلية مقدمات العقود المستحدثة؟ وهل الحل يكمن في دفع (ما يضمن التسجيل) وتجاهل بقية مستحقات التعاقد؟
لنتخيل أن هناك لاعبًا قد اتفق مع ناديه الجديد للانتقال إليه بعقد مدته ثلاث سنوات، بمبلغ 20 مليون ريال شاملة الأجور ومقدم العقد. سيلزم النادي بدفع نصف مقدم العقد عند التوقيع البالغ 7.3 مليون ريال، وتم جدولة باقي مقدم العقد على دفعتين على رأس كل موسم جديد. فالحاصل إذًا أن النادي سيلتزم بـ 7.3 مليون كبقية مقدم عقد، و5.4كأجور شهرية. ورغم هذا، فالتزام النادي بدفع الأجور (القيمة الأقل) يكفل له تسجيل لاعبين جدد، حتى وإن تساهل في دفعات مقدمات العقود (القيمة الأكبر). معادلة معكوسة، لا تضمن الحقوق، بل تزيدها وتزيد إغراق الأندية.
الحلول سهلة كتنظيم، ولكنها صعبة جدًّا على من يخاف ردة الفعل أو يعجز عن معاملة جميع الأندية سواسية، كبيرها أو صغيرها، الجماهيرية منها أو محدودة المشجعين. تقييد التعاقدات بناء على المداخيل والالتزامات هو الحل الوحيد لا غير. ومنع الفرق التي عجزت عن السداد، بل إجبارها على السداد عن طريق بيع اللاعبين وتخفيض التكاليف، هو السبيل الأمثل لجعل المنافسة أكثر عدالة ومنطقية. أما مساواة المتعثر بالملتزم فهي خرق صريح لشرف المنافسات، ودعوة غير مباشرة للتهاون بالحقوق؛ فالمتعثر لم يتأثر، والملتزم لم يكافأ؛ فلِمَ الحرص؟