د. ناهد باشطح
فاصلة
(الشرق شرق والغرب غرب ولن يلتقيا أبدا)
-روديارد كبلنغ-
أتساءل عن وجود الدراسات والبحوث التي تتحدث عن تفكير الشرق مقارنة بتفكير الغرب، لأن هذه الدراسات تعطي تصوّراً عن الأفكار التي إذا تحولت إلى مفاهيم ترجمت إلى ممارسة وسلوك، ففي مقارنتنا الدائمة لسلوك الشرق بالغرب نسقط جزئية تاريخية مهمة كانت هي أساس كتاب «جغرافية الفكر» لعالم النفس الثقافي د. ريتشارد نيسبيت الذي يؤكد أن هناك جذور فلسفية للشعوب لا يمكن تجاهلها في فهم السلوك الذي لا ينشأ من فراغ بل هو ترجمة للفكر.
الغرب في فكره الفلسفي مرتكز على الفردية كنزعة استقلالية بينما ورث الشرق مزيجا من ثلاث فلسفات وهي: الطاوية والكونفوشية، والبوذية، وبالتالي فالفرد في الشرق لا يشعر بكينونته إلا من خلال الجماعة، ويضع العلاقات الاجتماعية فوق كل شيء.
في الغرب ولغلبة المنطق الأغريقي عليهم اعتادوا مقارعة الحجة بالحجة أما لغتهم فهي واضحة ودقيقة مثل علاقاتهم الاجتماعية المبنية على المصالح المشتركة وإيمانهم بالحرية الشخصية، والقانون لديهم سيد المواقف المتنازعة أما الدين، فالحروب الدينية متفشية في الغرب بينما يميل الشرق إلى الوساطة والتفاوض وإرضاء الخصوم بدلا من تطبيق القانون ولغته تميل إلى التورية وتندر الحروب الدينية في المجتمعات الشرقية المنادية بالسلام والتسامح.
هذا الاختلاف أثبته د. ريتشارد في كتابه « جغرافية الفكر» إذ لجأ إلى إجراء اختبارات علمية للتعرف على مدى الاختلافات في المواقف والسلوكيات إزاء الأحداث، وكانت عينته لمجموعات من فئتين عرقيتين مختلفتين، الأولى أصولها أوربية، والثانية ذات أصول صينية أو شرق آسيوية.
وكانت النتيجة أن اختلاف الفكر الغربي عن الشرقي ينتج سلوكاً مختلفاً سببه اختلاف الأفكار والقيم، وفي رأيي لذلك لا يمكن تقييم أي السلوكيات أفضل أو أصح ما دام الفكر هو وقودها، وهو فكر ذو جذور فلسفية عميقة لا يمكن تغييرها بسهولة.
ويمكن أن يتعاون الشرق والغرب إذا ما فهم الاثنان جذور الفكر والمفاهيم لدى كل منهما فالمعرفة تسقط حواجز الحكم المسبق.