د.سالم الكتبي
لا خلاف على أنّ أمير قطر تميم بن حمد لا يزال يحرص على المضي في تنفيذ خطة الأمير السابق (الوالد) حمد بن خليفة آل ثاني، وتعامل بطريقة ساذجة مع البدائل والمعطيات السياسية التي كانت أمامه منذ بداية توليه الحكم في يونيو 2013، فلم ينتهز أمير قطر الفرصة ليكتب لبلاده تاريخاً جديداً خالياً من الملوثات السياسية ومضى هائماً على وجهه ليستكمل خطط ومؤامرات الأمير الوالد لزعزعة أمن واستقرار الدول والشعوب العربية!
من البديهي في النظم السياسية، أن يكون لكل حاكم أو قائد أو رئيس نهج وفلسفة خاصة في الحكم، لاسيما إذا كان الحاكم السابق معروفاً بتهوره وأخطائه التي تسببت في تدهور علاقات بلاده مع دول أخرى، وبالتالي تصبح إحدى أولويات الحاكم الجديد أن يخضع هذه الملفات لإعادة نظر وتقدير موقف جديدة لتصحيح الصواب في بدايات حكمه، ولكن من غير المعتاد أن يمضي أي حاكم أو قائد في تكرار الأخطاء ذاتها بغضّ النظر عن تكلفتها الاستراتيجية على مصالح بلاده وشعبه.
الواضح، حسب الشواهد، أنّ الأمير السابق حمد بن خليفة لم يبتعد عن مشهد الصدارة في السياسة القطرية، بل يدير علاقات بلاده مع العالم وفق الخط السياسي السابق له، ما يثير كثيراً من علامات الاستفهام حول دور الأمير الحالي ومغزى تمسك الأمير السابق بالحكم رغم ادعائه بالتخلي عنه طواعية لنجله!
من الوارد أن يكون الأمير الابن ضعيف الشخصية وواقعاً تحت سيطرة مجموعة تنتمي إلى الحرس القديم الموالي للأمير السابق، ولكن كيف يمكن فهم استمرار خضوع الأمير لهذه المجموعة رغم أن تكلفة هذا الخضوع تساوي انهيار حكمه أو على الأقل اختفائه تماماً من المشهد السياسي القطري.
هذا الارتباك القطري في إدارة أمور لها علاقة بالأمن والاستقرار الإقليمي والعالمي، مثل تحديد الموقف القطري من تمويل تنظيمات الإرهاب واستضافة قادتها في الدوحة وتمويل الآلة الإعلامية الداعمة للإرهاب في قطر وخارجها، كل هذا لا يجب أن يقابل بصمت أو تهاون عالمي، فالأمر ليس شأناً عائلياً كما يقول البيت الأبيض، وليس خلافاً خليجياً ـ خليجياً كما تعتقد بعض العواصم الكبرى، فليس بين الخليجيين خلافات حول قضايا تخصهم بمفردهم، بل إن جوهر الخلاف يتعلق بقضية الإرهاب ذات الصبغة العالمية، التي تعني كل عاصمة من عواصم العالم كافة.
لا يمكن الصمت حيال استمرار قطر في اللعب بورقة الإرهاب، فهذا الملف لا يحتمل الانتظار أو العبث والمماطلة والتسويف، والجميع يرى الآن كيف انحسرت موجات الإرهاب منذ خضوع الدوحة لضغوط دول المقاطعة، وكيف بات الإرهابيون في حيرة من أمرهم وعلى وشك تلقي هزيمة نهائية ومدوية في العراق وسوريا منذ أن جفت منابع التمويل القطرية، وبات من الصعب على الدوحة توجيه مزيد من الأموال إلى تنظيمات الإرهاب في العديد من دول المنطقة.
كانت، ولا تزال، أمام الأمير تميم فرصة ثمينة لإطلاق حوار جاد حول دور سياسات قطر، يتخلص فيه من التبعية لسياسات الأمير السابق، وينجو بنفسه من تهمة تمويل الإرهاب وما يمكن أن تجلبه عليه من ملاحقة محتملة أمام المحاكم الدولية وغير ذلك، ولكن آثر الرهان على خيار فاشل منذ بداية الأزمة الحالية، حيث استمع إلى نفس فريق مستشاري والده، من أصحاب المصلحة في بقاء قطر داخل هذه الدائرة الخبيثة، وكان عليه أن يستمع لصوت آخر من خارج هذه الدائرة الجهنمية، والانتباه إلى ما ينتظره من كوارث في حال الإصرار على موقفه والتمسك بالعناد والمكابرة، فالسياسة لا تعترف بالعناد بل تعترف بامتلاك القدرة على التفاوض وجرأة المصارحة والمكاشفة مع الذات والاعتراف بالأخطاء ومعالجتها وفق قرارات وخطوات محسوبة، حتى لو تضمنت التراجع عن سياسات سابقة، فهذه هي السياسة وقواعدها والأمر لا يخص الشخص كي يتعامل معه باعتباره مساساً بالكرامة أو الهيبة الذاتية، بل بمصالح شعوب ومستقبل دول وأجيال، ومن ثم لا غضاضة في مراجعة المواقف وتصحيح الأخطاء، وامتلاك بدائل وحلول ذكية، وفتح قنوات اتصال وتواصل مع الأطراف كافة من أجل التوصل إلى تسويات وحلول!
لماذا يمضي أمير قطر كأنّ عينيه معصوبتان ولا يرى ما ينتظره من مصير مجهول؟ ولماذا لم يتعلم من حلفائه ملالي إيران، الذي تراجع مرشدهم الخميني عن مواقف كان يعتبرها ثوابت وأسساً وزعم للجميع أنه «يتجرع السم» كي يمرر هذا التراجع؟ ثم لماذا قبِل الأمير تميم منذ عام 2013 تولي الحكم إن كان لا يمتلك من رؤى وخبرات سوى العيش في ثوب أبيه؟