عبده الأسمري
يحتاج أي موظف أياً كانت وظيفته ونوعها ومجالها ومهامها لإجازة سنوية، ليريح فيها نفسه ويجدد نشاطه ويستريح من عناء العمل، ويأخذ وقتاً للراحة كي يعاود عمله بهمة ونشاط.. وكل ذلك مكفول نظاماً سواء لموظفي الحكومة أو القطاع الخاص ونظام عالمي، وقبله منظومة بشرية تتشارك فيها كل الدول والشعوب.. ما أود التركيز عليه في مقالي اليوم ماذا تحمل الإجازة للموظف؟ وكيف يقضيها وما الآلية النفسية والاجتماعية والبيولوجية التي يسير عليها حتى يضمن الظفر بايجابيات الإجازة، وما السلبيات التي تترتب على سوء الفهم لهذا المفهوم وبيروقراطية العيش وأسلوب الحياة الذي أسهم في خلق أجواء من الفوضى البشرية والعشوائية المجتمعية فيما يتعلق بالإجازات، وانعكس سلباً على الأعمال والمصالح التي تضطلع بها الجهات والقطاعات التي ينتسب إليها الموظف أو الموظفة.
لدينا مشكلة أزلية وأزمة عميقة وآلية عقيمة للتعامل مع مفهوم الإجازة.. فلو رأينا الصيف لدينا مثلاً أو رمضان وغيرها من مواسم السنة، لوجدنا أن الشوارع والمتنزهات والمطارات وأماكن الحياة العامة تئن من مرتاديها، كون معظم الموظفين يأخذونها في وقت واحد تماماً كما تكدسهم، وكأنهم على رأي رجل واحد في شراء مستلزمات رمضان والعيد والمدارس قبل موعدها بيوم أو يومين، فتكثر الحوادث المرورية وحتى الجنائية وتختنق الشوارع ويحنق الناس، وتتحول الإجازة في هذا الإطار إلى فوضى عارمة وتمر وكأنها «تأدية واجب « أو «هم إجباري «
وعندما تذهب لمراجعة ما في وقت الصيف أو المواسم، تفاجأ بأن الإدارات الحكومية خاوية على كراسي فارغة، وموظف يجهز أعذاره بأن صاحب القرار ونائبه ومساعده وحتى السكرتير في إجازة، وهنا تكمن مشكلة سوء الترتيب وقد تكون الجهة هي المسؤولة الأولى عن هذا التقاعس وهذا الفراغ الذي يعطل مصالح الناس.
المعلمون والمعلمات يقضون أشهراً من الإجازة التي تعطل الحراك الوظيفي في عقولهم والتفاعل الفكري مع وظائفهم، فيأتون لأعمالهم برصيد ومخزون بائس من الكسل فينعكس ذلك على أسابيع من الأداء، ومثلهم الطلاب الذين يهجرون القلم والورق والكتاب حتى موعد الدراسة، فيدرسون والملل يحتويهم، في وقت لا مراكز صيفية حقيقية ولا دورات وقبلها لا رغبة لدى الأسر في تفكيك هذه البلادة التي تخلفها الإجازة، حتى لو بزيارة مكتبة أو دورة تنشيطية تجدد خلايا المخ وتستعيد توازن الفكر، بعيداً عن الزيارات المتكررة والنزهات المكررة وحمى الجلوس على الأجهزة الذكية والتلفاز بلا قيمة ودون هدف.
والمعلمات فوق كل هذه الإجازات يتسابقن على إجازات الأمومة والولادة والحضانة والاضطرارية وغيرها، والمدارس تئن من سوء تخطيط شامل متأرجح بين التعليم وشريحة الموظفات، والضحايا أجيال تعودت أن الإجازة راحة دون هدف ورفاهية أجساد وخمول عقول.
وحتى في نوعية الترفية وقضاء الإجازة لا يزال التكرار يحيط بالأسر، فالتي تسافر للخارج تصر على نقل صورة الإجازة بثقافتها طبق الأصل معها ولو جزئياً في مواعيد النوم والأكل وجدول الرفاهية، أما الأخرى التي تقضيها بالداخل فهي بين المولات والإزعاج وملازمة الفعاليات الرتيبة المكررة سنوياً.. فأي تجديد سيكون وأي ابتكار سيطرأ وأي سعادة ستحدث..
مفهوم الإجازة لدينا يحتاج إلى إعادة نظر من حيث الثقافة ومن خلال آلية قضاءها وكيف تكون عامل تحفيز للعمل، والى أي مدى تكون أجازة مفعمة بالنشاط والتجديد، لتكون مؤشراً قادماً للنجاح وسبباً للسعادة لا أن تكون مسبباً للبلادة.