ناصر الصِرامي
حين نسكن في بيت واحد واقعي أو افتراضي، وبيننا عقود ومواثيق ومصالح وأسرار، فإن حريتك وسيادتك تتقلص إلى أقل مستوياتها وتصبح جزءاً منا، وجزءاً من هذه المشاركة والمواثيق وروابط المسئولية المشتركة، ولا يجوز أن تتجاوزها أو تعتدي عليها بدواعي مضحكة مثل حكاية «السيادة» هذه!
وعندما تحتضن بلداً قاعدة وعسكر، وحراسة شخصية من تركيا، وتعيدها إلى العرب والخليج، بعد كل ما ارتكبته تاريخيا، وتكون نفس البلد الصغير أقرب للاندماج مع إيران اقتصاديا وسياسيا وعسكريا، بالرغم مما فعلته طهران وتفعله في الدول العربية من اليمن لسوريا ولبنان والعراق، وتبجحها -طهران- باحتلال اربع عواصم عربية. وتبني هذا الحلف السياسي والعسكري والاقتصادي في مواجهة وضد مصالح من يشاركونك نفس البيت -اليت الخليجي-.
وحين تصبح عاصمة بلد وإعلامها وأجندتها السياسية مرهونة لمشروع ما يسمى «جماعة الأخوان المسلمين»، التي عبثت وتعبث ارهابا وكراهية في العالم العربي المتردي أصلاً، وتمنح قياداتها واتباعها اقامات وهويات ومناصب وصلاحيات وحصانة، وهي مهتمة ومدركة لتاريخهم الأسود وخياناتهم. وتدعمهم لنشر التحريض والفوضى ضد نفس البيت الذي تدعي انك جزء منه، وتسكن فيه..
ثم تكون لدى ذات الدولة اكبر قاعدة أمريكية خارج الولايات المتحدة الامريكية، قاعدة لا يمكنها أبداً التدخل فيها، ناهيك عن أي اعتراض شفهي، بل ومحرمة على البلد المستضيف بكل قادته ومشايخه وامرائه الدخول دون اذن مسبق من وزارة الدفاع الامريكية، حين نكون امام ذلك كله فإننا بلاشك امام دولة أو عاصمة أو تجمع يفترض بل يجب ان يكون هو آخر من يتحدث عن شيء يسمى «السيادة»..!.
يا أصحاب «السيادة».. أبسط مبادئ الحرية تقول: لك الحق أن تمد يدك قدر ما تريد وكيفما تريد وتشاء، لكن دون ان تلمس جسدي... لكن سيادة قطر بسياسات قادتها ادخلت أصابعها في عيوننا وعبثت بكل جزء من الجسد الخليجي لنحو عشرين عاماً.. ثم تدعي المظلومية الآن!.
ثم يا أصحاب السيادة في قطر... ان كان الموضوع كذلك جدلاً، فالمفترض ألا تتحدث لا تركيا ولا ايران بالنيابة عنكم، لكن طهران وانقرة هي من يتولى التصريح عنكم، فيما يتحدث داعية مشوه باسمكم، اضف لهم كل مرتزقة الاعلام العربي الساجدين للريال القطري من شبيحة الاعلام القطري، والذين سيكونون اول المغادرين والمتنازلين عنكم، فيما لا يوجد الا اصوات تعد على اصابع اليد الواحدة من القطريين الفعليين الذين يتحدثون عن بلادهم أو «سيادتها»، أو يدافعون عن عبثها السياسي.
خلل واضح جداً بكل المعايير والحسابات، يؤكد كم هي غريبة ومشوّهة هذه «السيادة القطرية» الحالية، التي لا تظهر إلا أمام من يشاطرهم نفس البيت والإقليم والسكن والمصير المفترض، ومن هم جزء طبيعي من تكوينها الخليجي..!
ثم كم هو مكشوف ومحبط ان تشعر بوضوح ان صياغة بيانات وخطاب السياسة الخارجية القطرية اليوم، تكتب بذات الطريقة التي كان يكتب فيها النظام المصري الاخواني البائد بياناته ويصوغ ردوده وعلاقاته مع العالم، مدرسة واحدة وفكر متقارب لدرجة التشابه، حتى في مفردات الحصار والمقاطعة والعزلة والمظلومية... ادبيات «الاخوان» تسيطر بشكل واضح على خطاب السياسة القطرية الخارجية وتفاعلها السلبي مع الأزمة مع محيطها ودول الجوار الخليجية العربية.
لا أحد يتوقع ان تتراجع قطر هكذا عن رصيدها السيىء الذكر طوال العقدين الماضيين، أو تصمت فجأة، لابد من شيء من المقاومة، والبحث عما يحفظ ماء الوجه في الوقت ذاته.. الا ان حالة الإنكار التامة والإحساس الناقص بجدية ما يحدث وخطورة، كما ما فعلت وتفعله الدوحة إلى اليوم لا يبشر بالكثير من الخير حتى الان على الأقل.
يبدو ان الدوحة لم تصحُ بعد، ولم تعِ حقيقة وجدية الأزمة والعزم الخليجي والعربي، ولم تستوعب بشكل كامل الواقع الجديد الذي امامها، واذا استمرت حالة الانكار العبثية فإنها وللاسف ستكون أمام مواجهة خطرة مع اهل قطر العزيزة.. فالصيف طويل وساخن!.