أزفت الشمس تلملم خيوطها الذهبية مرتدية معطف الغياب إيذاناً بتنصيب (الآنسة رؤية) في سماء مستقبلاً واعداً. أغمضت (الآنسة رؤية) عينيها وحلقت بسماءات (وطن) وأحلام تتراقص لترسم واقعًا مجيداً، امتطت صهوة أفكارها ونصبت الأفخاخ لكل ما هو جديد، حلقت ثم حلقت لتدوزن أوتار (وطن فتي).
غفت (الآنسة رؤية) وأفسد غفوتها (كابوساً أشر) إذ بها تجد نفسها فوق غيمة تجوب (الوطن) مخترقتاً كل الحقب القديمة تحيطها عبق ماضٍ وإرث عظيم لكن (الحزن أفقده رونقه) ترجلت من غيمتها (الآنسة رؤية) وأسندت ظهرها على إحدى الصخور المعتمة، أحست بتنهيدة طويلة كأنما تخرج من صدر محترق التفتت بشيء من الخوف ثمة تمتمات أخرى أسرعت (الآنسة رؤية) الخطى تبحث عن مصدر تلك الأصوات فإذا بصوت محشرج يردد:
(يا دار عبلة بالجواء تكلمي.... وعمي صباحا دار عبلة واسلمي)
توقفت (الآنسة رؤية) أمام صخرة عنتر وعبلة مذهولة تتساءل ماذا حل بهذه الصخرة؟ لم هذا العبث؟ مزيج من الألوان والكتابات والذكريات شوهت تلك الصخرة عبث مراهقين وأطفال نال منها وأفقدها رونقها، الآن عرفت (الآنسة رؤية) مصدر التنهيدة.
استقلت غيمتها (الآنسة رؤية) وغادرت المكان حيث (الحجر) وإذا بها ترى بقايا طلقات من (رصاص) نالت من واجهات الجبال وبمكان آخر مزيد من النقوش ترثي حالها بسبب جاهل أخفى قصة من الماضي.
مهلاً ماذا عن سكة حديد الحجاز؟ بل ماذا عن الكتابات والرسوم الصخرية؟ والكثير الكثير!
أفاقت (الآنسة رؤية) من ذلك (الكابوس الأشر) ومن ذلك (التلوث البصري) مستحضرة قول المؤرخ البريطاني هوبل (إن أردت أن تلغي شعبا ما تبدأ أولاً بشل ذاكرته ثم تلغي كتبه وثقافته وتاريخه).
بغضب تفكر (الآنسة رؤية) أن هذه الآثار أسرت العديد من العلماء وتهافتوا على دراستها وتقييمها وأولوها جل وقتهم وإذا بأبناء هذه الحضارات شوهوها وعبثوا بها بدلا من المحافظة عليها!
وكأنما أدركت (الآنسة رؤية) أن عليها أن تعيد ضبط أوتار (حضارات الوطن) وأن تزيل تلك الألحان الحزينة وتعزف مقطوعة الفرح لآثار وطننا.
(رؤية 2030) أنت لها.
** **
- ضياء إبراهيم الميمان