محمد بن عبدالله آل شملان
ماذا تقول لقد جرحت فؤادي
وقدحت من ألمي أحر زناد
ماذا تقول لقد أثرت مواجعي
ونثرت في عيني جمر سهاد
رفقًا بقلبي أيها الناعي فقد
ألقيت غصن الشوك فوق وسادي
***
استجاب الشيخ علي بن ناصر الوزرة لنداء ربه يوم الجمعة 23 شعبان 1438هـ، استجاب بعد أن أضنى السنين تعليمًا وكفاحًا وتوجيهًا، وكل أمر يقدم عليه رجل عادة في مجال تعلّقه واختياره.
خدم أبو ناصر وطنه الذي كان أقرب الأوطان إلى قلبه، وأولى برعايته، فعمل عميدًا لمركز العلوم والرياضيات، وعميدًا لكلية المعلمين بالطائف، ثم مديرًا للتعليم بمحافظة وادي الدواسر على فترتين، ثم مشرفًا على التعليم الثانوي المطور، فلم يترك في مهامه التي أنيطت به زاوية إلا أطلّ في خباياها، ولا ميدانًا إلا مسح جوانبه، كان -رحمه الله- لا يرضى بالوقوف عند القشور، ولا يقنعه الظاهر، كان -رحمه الله- يغوص إلى اللب، ويتعمّق في المخبر، ولا يقف في وجهه عائق، ولا يمنعه تعب، ولا توئسه صعوبة، ولا يتساهل في حق، يناور، ويحاور، ويحتال حتى يصل إلى الحقيقة، أمينًا ومتفانيًا.
أصبحت خبرته لا حدود لها، عرف مظانّ التربية والتعليم، ورجالها، وعرف الجاد منهم في القيادة المدرسية والكفايات الإدارية، فوصل سببه بسببه، عرفه المتواضعون ورجال الأخلاق، وصار على رأسهم، وعرفه النزيهون وأصحاب التاريخ النظيف وصار أمَامهم وإِمَامهم، وعرفه محققو التطوير والخبرات، إِذ جاء حامل العلم في سريّتهم، وعرفه الوطنيون لأنه تقدّم سِربَهم في خوض بحر الوطنية العميق، عرفته قيادة هذا الوطن الراشد إِذ وجدوه قدوة في الميدان.
***
رأى نقصًا في جوانب التعليم في وطننا وحياته الإبداعية فأسّس بجوار الدكتور محمد الرشيد وزير التعليم الأسبق ما استطاع في مجال الموهبة، ووضع اللبنة ليُقتدى بخطته ومنهجه في هذا الحقل الواسع المترامي الأطراف، وما اختياره وكيلاً لوزارة التربية والتعليم بعد ذلك إلا أنموذج لهذه الفطنة والالتفاتة، وهذا جانب من حظّه (حظ حسن النية) إن كان الملتفت إليه الشيخ علي الوزرة، بغزير علمه، وصحة منهجه، وبعد حماسه، وحسن معالجته، وعمق استقصاؤه.
كانت الوطنية عند الشيخ علي الوزرة فوّاحة بحماية مقدرات التعليم والدفاع عنه وإضاءاته لتصحيح ما اختل منه من مسارات، وله في هذا تصحيح وتحقيق. حتى نال ثقة قيادة هذا الوطن باختياره عضوًا بمجلس الشورى في دورته الرابعة وتجديدها في الدورة الخامسة، كانت نظراته فيها فاحصة وتحقيقه ملِحّ ودأبه حثيث، وحظيت مداخلاته بالاهتمام والمتابعة والتطبيق، ترى الوجوه إليه متطلعة، أعطاه الله سبحانه وتعالى ذاكرة واعية قوية ساعدته في جميع أعماله التي توكل إليه.
سوف يفتقد هذا الرجل المبجّل أهله وأبناؤه وأقرباؤه، سوف يفتقده عارفوه وأصدقاؤه، سوف يفتقده من عمل معه أو عنده، سوف تبكيه مزرعته ومجلسه والمترددون عليه، سوف تفتقده الآذان وقد كان يشنفها بالمفيد المبهج، وسوف تفتقده عيوننا وقد تعودت على بشاشة وجهه، وحسن استقباله.
***
لقد خنقت غصّة الفقد كل محبي ومريدي الشيخ علي بن ناصر الوزرة -رحمه الله- عبر كلماتهم ومشاعرهم الحزينة، فلقد كتب الدكتور عبدالرحمن البراك مستشار وزير التعليم الأسبق: «غفر الله لزميلنا أبي عبدالله ورحمه وأسكنه فسيح جناته على ما قدم للتعليم من عمل صادق دؤوب ورزق أهله الصبر والسلوان». وقال أحمد بن علي الضلعان: «رحمه الله وغفر له، لم يكن يقيم للمظاهر وزنًا، وكان جادًا مثابرًا صادقًا في عمله وعلاقاته». وقال فؤاد عبدالسلام: «الشيخ علي الوزرة التقيته عندما كان مديرًا للموهوبين فبادرني ومن معي بالسلام، التواضع من صفاته التي تأسرك للوهلة الأولى -رحمه الله-».
وقال عبدالعزيز المنصور: «اللهم أنا نشهدك أنا نعرفه تقيًا نقيًا عفًّا طاهرًا وأنت أعلم وأرحم منا». وقال سالم الغامدي: «لم أر في حياتي مسؤولاً مثله في التواضع وتبسطه إلا ما سمعته ورأيته من الشيخ صالح الحصين.. رحمهما الله.. كان مدرسة في التواضع». وقال عبدالمجيد الزهراني: «الشيخ علي الوزرة كان يواصل العمل الساعات الطويلة وينام في مكتبه دون أن يبحث عن مقابل مادي أو معنوي رحمه الله ورفع درجته في عليين». وقال مزروع بن عمرو: «من صِدْق الشيخ علي الوزرة أنه قال في إحدى سنوات إدارته للشؤون المدرسية بالوزارة: لو وجدتم معلمًا أو معلمة تم نقلهم بلا مستند نظامي فأنا المسؤول». وقال أبو عبدالرحمن المعمر: «عرفت الفقيد قبل أكثر من 30 عامًا كان عفيف اليد واللسان قويًا في الحق. صحبته في السفر. فكان لا يدع قيام الليل رحمه الله». وقال الدكتور عبدالله الجغيمان: «رحمه الله. كان من مؤسسي برامج الموهبة في المملكة، رجل يشع ذكاء وفطنة، طيب النفس والمعشر، لا يتلوّن ولا يتصنّع، ظاهره مثل باطنه».
***
عليك سلام الله منّا تحية
ومن كل غيث صادق البرق والرعد
نعم ثم نعم، نتلفت حولنا مذهولين، لا نصدق أننا فقدنا فارس التعليم، ومصباح الإضاءة، ولسان الحق، وصولجان الخلق، سوف نذهل عن أن نصدق أن استاذنا علي بن ناصر الوزرة مات، سوف نذهل إلى أن يعود إلينا رشدنا، فنذكر، وحق لنا ألا ننسى، أن كل شيء، فان، ولا يبقى إلا وجه ربنا، ذي الجلال والإكرام، وإننا كلنا ميتون، وللطريق الذي سلكه الشيخ علي، ومن سبقه، سالكون، و{إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ} البقرة 156.
رحم الله الفقيد الغالي، وأسكنه فسيح جناته، وأنزل عليه شآبيب رحمته، ووابل غفرانه، وجعل ما قدم في موازين حسناته، وشاهدًا له على حسن العمل، وسلامة النية، وصواب القصد، وقبل منه ما بذل من جهد، وألهم أهله وفاقديه السلوان والاحتساب، إنه نعم الجواد المجيب، وصلى الله على محمد.