عبد الله باخشوين
.. للكاتب الفلسطيني الشهيد غسان كنفاني رواية اسمها (رجال في الشمس) تحولت إلى فيلم سينمائي.. إنتاج سوري للمخرج المصري توفيق صالح وكانت من أسباب شهرة الكاتب والمخرج لأهمية الحدث الذي تناولته.. ولجراءة الطرح في ذلك الوقت (كتبت عام 1963) وأنتج الفيلم عام (1973).
الرواية تتحدث عن ثلاثة فلسطينيين ينتمون لعدة أجيال بين الشيخوخة والشباب يعيشون في البصرة.. لكنهم يريدون الوصول إلى دولة الكويت.. (تهريباً) لعدم قدرتهم على الدخول بشكل نظامي.. ويلتقون بسائق فلسطيني يعمل على (وايت ماء) أو (صهريج ماء) كبير متنقلاً بين البصرة والكويت.
يتم الاتفاق معه على نقلهم داخل (الصهريج) الذي يعود به إلى الكويت (فارغاً) على أن يخبئهم داخله حتى ينهي إجراءات العبور من نقطتي الحدود ثم يخرجهم ويعودون للجلوس بجواره.. وينزلون على أرض الكويت بسلام.
الفيلم - الرواية.. تجسيد لمعاناة (التهريب).. بين لا مبالاة السائق وهو يتباسط مع رجال الحدود.. ومعاناة اختناق الرجال الثلاثة داخل صهريج حولته حرارة النهار إلى ما يشبه (الفرن).
قبل النفاذ من نقطة الحدود الكويتية يتوقف السائق للحديث مع أحد رجال الحدود عن مغامرته (النسائية) في سوق ليل البصرة.. وخلال الحديث اللاهي الطويل.. يموت الرجال الثلاثة داخل الصهريج (اختناقاً).. وبعد أن يعود السائق ويكمل طريق (العبور) بسلام.. يتذكر من بداخل الصهريج.. لكنه يجدهم موتى.. وبعد (العبدلى) بقليل يجد موقعا كبيرا هو (مكب) لنفايات مدينة الكويت.. فيقوم بإخراجهم من داخل الصهريج ويلقي بهم في ذلك (المكب) ويمضي.. فيما شريط ذكرياته القديمة يعود به إلى أحداث وحوادث تؤكد انه رجل (عن) فاقد للرجولة.. وكان حديثه عن مغامراته النسائية في سوق ليل البصرة هو نوع من الخيال الذي يريد أن يعوض به فقده للرجولة وتسببه في موت الرجال داخل صهريج العبور.
طبعاً.. هذا الحديث من الذاكرة وهو لا يسرد الوقائع بتفاصيلها الدقيقة.. لكنه يسرد مجمل (الحدث) الذي اشتهرت به الرواية عند صدورها.. واشتهر به الفيلم عند عرضه وكان أول فيلم للمخرج المصري توفيق صالح.. الذي - بالمناسبة - استدعي للعراق - فيما بعد - واخرج فيلماً روائياً عن صدام حسين ومحاولته الشهيرة لاغتيال الزعيم عبدالكريم قاسم.. و(رجال في الشمس) كانت رواية غسان كنفاني الأولى وكتب بعدها الكثير.. قبل أن يتم اغتياله على يد عملاء (الموساد) وهو عضو بارز ونشط في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين التي كان يقودها جورج حبش.
وبزعمي أني لا أريد أن أعلق على أحداث الفيلم والرواية.. وان كنت أذكر أنه بعد اغتياله صدرت في بيروت أعماله الكاملة في مجلدين وكان الأستاذ الكبير مشعل السد يأتي لجريدة عكاظ أحياناً لزيارة صديقه المرحوم الأستاذ عبدالله جفري وخلال لقائي به جاءت سيرة لبنان وعرفت انه مسافر إلى هناك.. فطلبت منه أن يجلب لي أعمال غسان.. وكان هذا كلاماً عابراً ودون أمل - مني- في أن يستجيب الأستاذ الكبير.. لكن بعد نحو أسبوع جاء من يخبرني أن أحداً يريد أن يراني وينتظرني خارج المبنى في شارع الميناء.فوجئت أن ذاك لم يكن سوى أستاذي مشعل.. و(ليش ما تطلع) قال.. (مستعجل) وناولني أجمل هدية.. ولم تكن سوى الأعمال الكاملة للمرحوم الشهيد غسان كنفاني.. الذي كنت ولا أزال من أشد المعجبين بأعماله الروائية وتأثرت بها في بداياتي وكانت من الأعمال التي ألهمتني وساعدتني على محاولة صقل موهبتي القصصية.. هذا إذا كانت لدي موهبة أصلاً.