عبده الأسمري
للأولويات رجالها وللمكارم أهلها.. وللاستثناءات حالات بشرية لا تتكرر.. عالم برداء زاهد.. وعلامة بحلة عابد.. ومعلم بسمات قائد.. وتربوي بصفات قدوة.. وأمام بمقومات رجل دولة.
إنه معلم الأمراء وإمام الحرم المكي وعضو هيئة كبار العلماء العلامة الشيخ عبدالله عبد الغني خياط -رحمه الله- أشهر قراء القرآن الكريم وأمهر الأئمة وأشهر الإعلام التربوية والدينية الذي قضى حياته في ميدان الشرف ومحفل العطاء ومحافل العلم قامة واستقامة علمًا إنسانيًا ومعلمًا بشريًا وجامعة إنسانية نبعت بالمعرفة في شتى صورها وأبهى حللها حتى ظلت عطاء إشعاعا وينبوعًا لم ينضب.
بوجه تحفه علامات السكينة وكاريزما مكية تعلوها الطيبة الفطرية والهبة المعرفية وعلامات ضياء تشع من عينين تنضحان بالوقار وكاريزما هادئة خاشعة تنبع منها بسمة الرضا الديني وسمة الاقتدار العلمي وصوت نادر منفرد يملؤه الخشوع وتبح من حروفه السكنى والحسنى يلهج بالتجويد والإتقان الدقيق لآيات القرآن وبكاء خشية وعبرات هجوع في التلاوة جعلت صوته أوحد وقراءته انفرادية.. وحضور علمي بارز سجله ووقعه وتوقيعه على صفحات التفوق وشهادات النجاح لأجيال مضت ولا تزال يشكل عبدالله خياط ظاهرة بشرية لن تتكرر جمعت التعليم والإمامة والفتوى والتقوى والزهد في قامة رجل واحد تمامًا كصوته الذي ظل شعاعًا من اللحن والفن والشجن المجموع بالجمال الصوتي المسجوع بالاكتمال اللغوي يتلو القرآن آناء الليل وأطراف النهار ولا تزال تلاوته تملأ الآفاق تستكين لها الأنفس وترتكن إليها الأرواح بالعبرة والاعتبار وبالعبرات والاستمتاع الوجداني لصوت مهيب معطر بالذكر الحكيم ومسطر بالبيان القرآني.
ولد خياط بمكة المكرمة عام 1326 وترعرع في بيت ديني وتربية أصيلة فنشأ طفلاً يراقب الدروس في مجلس والده وكان يحفظ في ذاكرته الغضة الثقافة الدينية الكبيرة التي كان والده يتمتع بها في التفسير والحديث والتوحيد والفقه فكان حافظًا منذ صغره صديقًا للكتاب مرافقًا للبلاغة رفيقًا للبحث.. وفي بهاء المكان وزهاء الروحانية تلقى خياط تعليمه الابتدائي في مدرسة الخياط ودرس المنهج الثانوي بالمدرسة الراقية في عهد الحكومة الهاشمية. وتتلمذ على أيدي علماء المسجد الحرام وحفظ القرآن الكريم في المدرسة الفخرية. ثم التحق بالمعهد العلمي السعودي وتخرج منه.. وعين عضوًا في هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عام 1347وعين مدرسًا بالمدرسة الفيصلية بمكة عام1352هـ.
اختاره الملك عبد العزيز ليكون معلمًا لأنجاله وعينه مديرًا لمدرسة الأمراء بالرياض عام 1356 هـ واستمر في هذا العمل حتى وفاة الملك عبد العزيز. ثم عين مستشارًا للتعليم في مكة عام 1373هـ. وفي عام 1375 هـ عين مديرًا لكلية الشريعة بمكة إضافة إلى عمله مستشارًا وفي عام 1376 هـ كلف بالإشراف على إدارة التعليم وبقي مستشارًا. ثم تعين إمامًا وخطيبًا للمسجد الحرام عام 1373 هـ واستمر في هذا العمل حتى عام 1404 هـ حيث طلب إعفاءه لظروفه الصحية.
ولأنه مسكون بالعمل الإسلامي ومهموم بقضايا الأمة عمل رئيسًا لمجلس إدارة دار الحديث المكية وعضوًا في اللجنة الثقافية برابطة العالم الإسلامي وعضوًا في اللجنة المنبثقة من مجلس التعليم الأعلى لوضع السياسة العليا للتعليم في المملكة وتم اختياره مندوبًا عن وزارة المعارف في اجتماعات رابطة العالم الإسلامي وصدر الأمر الملكي باختياره عضوًا في هيئة كبار العلماء منذ تأسيسها. وتم ترشيحه عضوًا في مجمع الفقه الإسلامي وتلمس أصحاب القرار هذه السيرة العاطرة بالإنجاز الماطرة بالاعتزاز فصدر أمر كريم عام 1391 باستثنائه من النظام وعدم إحالته للتقاعد مدى الحياة.
ألف الشيخ خياط -رحمه الله- نحو 26 كتابًا في شتى فروع العلم الديني والشرعي لا تزال مراجع علمية ومصادر معرفية إضافة إلى مئات التسجيلات الصوتية للتلاوة.
وفي يوم 7 شعبان 1415 هـ نعت السعودية والعالم الإسلامي بأكمله الشيخ عبدالله خياط بعد وفاته وووري جثمانه تراب مكة الطاهر مخلفًا وراءه إرثًا من العلم الشرعي وتراثًا من القيم التربوية والإنسانية. جعلت الأعين تبكيه والقلوب تنعيه تمامًا كما كانت ولا تزال عبراته وأنفاسه الباكية ترافق تلاوته وتسابق حديثه.
رحل كجسد وبقى في ذاكرة التاريخ وفي استذكار القلوب وتذكر الأنفس إمامًا خشيًا تقيًا ورجل دولة ومسؤولاً أدى الأمانة وأفنى عمره في خدمة كتاب الله والدين والوطن..