عبدالرحمن بن سائر العواد الشمري
يبدو أننا في استقبال نسق ثقافي - اجتماعي جديد في إدارة شؤون البلدان والدول والشركات وإن كانت الأخيرة سبقت به الدول وإذا كان من المقبول في الأنساق الثقافية - الاجتماعية قبول صغار السن أصحاب رؤوس الأموال في إدارة أموالهم وشركاتهم أو شركات آبائهم مهما صغر سنهم إلا أن الأمر يختلف بعض الشيء في إدارة الدول، إذ إن الأنساق مرة أخرى لا تقبل إلا بكبار السن ممن أنضجهم كرّ الليالي والأيام وممن يوصفون بالحكمة والحنكة ولكن أصبح هذا النسق الأخير متهافتًا لدرجة أنه أصبح على سُدة الحكم وتسيير شؤون بعض الدول صغار سن ومن أمثلتهم رئيس فرنسا الجديد وملك إسبانيا ورئيس وزراء كندا فهل نحن أمام تفكك - تصدع أنساق تقليدية ثقافية - اجتماعية إننا لا يمكن لنا إغفال ما حققه الشباب من جدارة قيادية استحقت إيمان مجتمعاتهم بهم غير أن هذا التفكك - التصدع في هذا النسق ليس بإمكانه أن يُبقي المثقف في موقع عدم الاهتمام به لأنه تفكك - تصدع يمكن لنا أن نُرقِّيه إلى مستوى الانقلاب في المفاهيم. ومن هنا تستمد هذه القراءة قيمتها أي من تصدع - تفكك النسق السائد وما سيتولى معه - عنه من دينامية فاعلة في بقية الأنساق الاقتصادية والثقافية والاجتماعية والتربوية والإعلامية، بل حتى الأمنية؛ ولا غرابة في ذلك فهذه هي روح الشباب الوثّابة في كل ميدان التي لا تعرف الكلل أو الملل؛ والمقدامة في كل مجال. فهل نحن أمام بروز نسق لم يعد المعيار الواضح للتمييز فيه هو المعيار الأيدولوجي الذي يتعصب للشيوخ متقدمي العمر - الحكماء؟ فنكون أمام قيادات شابة - شابة، وهل تحول التمييز اليوم إلى ثنائية قيادات؛ متقدمة في العمر - حكماء وقيادات غير متقدمة في العمر - شابة؟ وهذا ما يبدو أننا عليه وفيه. وإن من المدرك أن العمل القيادي يروم خلق التأثير وصناعة الاتباع لأنه يرى أن في ذلك مدخلاً خصبًا من المداخل الضامنة لاستمراريته في القيادة وذلك التأثير والصناعة هي من شروط الممارسات الاحترافية التي يتضح جليًا قدرة الشباب اليوم على التصالح معها بشكل أو بآخر وذلك من خلال مثلاً التواصل الإعلامي على مختلف مستوياته تلفزيونية أو مواقع التواصل الاجتماعي وما زالت ذاكرتنا مليئة بالدهشة من الاحترافية الهائلة التي تعامل معها الأمير الشاب محمد بن سلمان ولي العهد -حفظه الله- في لقاءاته التلفزيونية بملكته الإبداعية في الطرح والصراحة ووضوح الإيمان بالفكرة - رؤية 2030مثالاً وكل ذلك تم بإيضاح جليّ وقدرة تحاورية عالية مستدلاً بلغة الأرقام الدقيقة. ونحن نعيش اليوم فترة مهمة في التاريخ البشري حيث أصبح الطلبة من الشباب هم مبدعو العالم وليس ذلك وحسب، بل صانعي التأثير فيه قياديًا واقتصاديًا واجتماعيًا وأمنيًا وخذ على سبيل المثال (مارك زوكربرغ) مطور (facebook) فنجد أنه في الثلاثين من العمر وهذا (إيفان شبيغل) المؤسس والمشارك لتطبيق ((Snapchat الذي شغل منصب الرئيس التنفيذي للشركه هو دون الثلاثين وسبقهم قبل ذلك بل جيتس حين كان طالبًا جامعيًا إلى أن أصبح أغنى أغنياء العالم متربعًا على سدة الإمبراطورية المعلوماتية مايكروسوفت. ونعود إلى أميرنا وولي العهد الشاب محمد بن سلمان -وفَّقه الله- لنقول من خلال عدة نقاط كالتالي:
أولاً: إن روحك الشابة هي معقد آمال المواطن السعودي في هذه الأرض المباركة المملكة العربية السعودية لا سيما أنت خريج مدرسة القيادي الفذّ الملك سلمان بن عبدالعزيز - حفظه الله- وأن العلاقة تمضي بينك أيها الأمير الشاب وبين المواطنين علاقة تكامل وثقة؛ ووضوح وإيمان وقد وفقت حينما عبّرت عن ذلك في لقاءاتك التلفزيونية والجميل في الجهة المقابلة أن المواطن يرى فيك القدرة على تحقيق الحياة الكريمة مبادلينك نفس ما تبادلهم من الثقة والتكامل والظن الحسن.
ثانياً: تنشيط المجتمع بكافة شرائحه إزاء ما يجري في المنطقة (الصفيح الساخن) وآخرها دخول قطر بامتلاء في ذلك الصفيح مكرًا ومناكفة وتفاعل الفرس والترك معهم ما يجعلنا أمام ممكنات مجهولة والتوقع فيها ينخفض إلى مستويات متدنية - وإن كنا ندرك بأن الاستعدادات على مستوى الدولة عالية ولكن ما أعنيه بالتحديد هنا ما هو على مستوى الفاعل الاجتماعي - الفرد- أقول إن كل ذلك يستوجب منا تفعيل كل ما يُعنى بالسلام كبرنامج عمل ولغة خطاب وخطة مؤسسات المجتمع المدنية وعلى رأسها وزارة التعليم ووزارة العمل والشؤون الاجتماعية ووزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد ووزارة الإعلام وما أقصده بالسلام هنا كل ما يساعد المواطن السعودي على الاتزان نفسيًا (فكريًا ومشاعريًا وسلوكيًا) أوَليست إحدى ركائز رؤية (2030)؛ المجتمع الحيوي، فكيف إذًا سنكون كذلك ونحن ما زلنا نتراشق على بعض الخلافات الفقهية السائغة؟ وكيف سنكون كذلك ونحن ميالون إلى قيم العنف والمبالغة؟ خذ آخر أحداث هذه القيم العنيفة إشهار السلاح على مجموعة نساء في أحد مدن المملكة حتى وإن كانت في مربع الخلافات الأسرية كما يتردد ولكأن فاعلها نسي جدًا أن هناك حكومة تحكم وهذا ليشير إلى تجذّر القيم حتى وإن كانت أغلب تعاملاتنا على عكس ذلك - العنف وها هو الفيلسوف كانط كاتب (مشروع السلام الدائم) الصادر عام 1795 كما يرى الدكتور موسى وهبة استاذ الفلسفة في الجامعة اللبنانية بأنه -أي كانط- بيّن أن السلام يُنشأ إنشاء بفعل واعٍ أي بنيّة مقصودة وبرامج عمل دؤوبة تؤمن بالسلام طريقًا فاعلاً للتقدم والرقي ولعل رؤية 2030 تتجه بنا وبالمجتمع إلى حيث ذلك الفعل الواعي للسلام وهو ما سيصب وبشكل مباشر وفاعل في الوقوف ضد التمددات الإرهابية.
ثالثاً: ينبغي الالتفات إلى التعليم كإحدى القوى الفاعلة وذات الأثر الكبير في المجتمع السعودي والعالم أجمع لأن في قوته؛ قوة الحاضر والمستقبل، يقول الفيلسوف البريطاني Hume: (ارم بضعة قطع فولاذية فوق بعضها البعض ودون أي انتظام فلن تنتظم من تلقاء ذاتها لتكوّن ساعة يد) ولا أظن أن هناك من لا يقول بأهمية تفعيل نفس الفكرة في نظامنا التعليمي أعني فكرة الانتظام التي لن تتحقق ما لم يتم مراجعته -النظام التعليمي- بشكل عاجل وبأهمية كبيرة فلا قوة للمجتمعات إلا بالتعلم والتعليم ونحن من المهم أن نعمل على كونية العلم في ثقافة مجتمعنا وأن نضع لنا رؤية في دخول تلك السياقات الكونية وهذه الولايات المتحدة الأمريكية تنفق سنويًا على التعليم أكثر من أي دولة أخرى من الدول المتقدمة ولذلك كان لها مكان ومكانة في مصافّ الدول وفي أرجاء الكون وما كان ذاك ليكون لو لم تؤمن قياداتها بأن طريق التقدم والرقي والتفوق والمستقبل هو طريق التعلم والتعليم والبحث العلمي والتنمية. ونحن لدينا في نظامنا التعليمي برامج وأنشطة كثيرة ورائعة ولكنها تستوجب مراجعة وتقوية وأحيانًا تفعيل المحاسبة.
وأخيرًا غاية ما نأمله بعد هذه القراءة التأكيد على روح الشباب التي تستطيع بإذن الله تعالى التحرك والتحريك والعلو والارتفاع وكل ذلك بديناميكية عالية لتحقيق النجاحات في مجتمع واعد وعلى صفحات وطن يحب الخير ويؤمن بالعمل وينوي التأثير ولتجري القدرة الإلهية خيريتها يا أمير الشباب على توجهاتك وتحركاتك ولنتبارك أجمعين بعناية رب العالمين.