عمر إبراهيم الرشيد
ربما يقرأ البعض عنوان المقال بفتح القاف وعندها يرد إلى الذهن عالم الجن الغامض، لكن هذا ليس موضوع مقالي، بل القرين بتسكين القاف وهو تصغير كلمة قرن. هذا هو الاسم القديم لدولة الكويت، والقرين منطقة تقع جنوب الكويت قديماً، وهي غير منطقة القرين الحالية وسط البلاد، وكانت تعرف الإمارة باسمه وذلك منذ بدايات القرن السابع عشر الميلادي، إنما تبدل الاسم مع تعاقب الأجيال لتعرف البلاد ولاتزال باسم الكويت. هذه قصة الاسم باختصار، وهو ما اتخذته القناة التي أطلقتها وزارة الإعلام الكويتية هذا العام وتحديداً يوم الخامس والعشرين من فبراير، مصادفاً مرور 56 سنة على استقلال البلاد، و25 سنة على التحرير، و11 سنة على تولي الأمير صباح الأحمد مقاليد الحكم. ولابد لمن يتابع هذه القناة الرصينة أن يدرك حجم المخزون الأرشيفي لدى تلفزيون الكويت، المتنوع بين الدراما والمسرح، التراث والفنون الشعبية، الأفلام والبرامج الوثائقية. ولابد من التأكيد أنّ الكويت تميّزت بين دول المنطقة وسبقتها في مجال المسرح وهو أبو الفنون، ومنه انطلقت الأعمال الدرامية في التلفزيون من بدايات الستينات الميلادية، يضاف إليها تميز النشاط الإعلامي في إنتاج البرامج وتنوعها.
هذا المخزون الإعلامي يُعَد تراثاً سيطويه النسيان ولن يعرف به الجيل الحالي والذي يليه، وهذه فلسفة القناة ومحركها الأساسي وقد برعت بالفعل في تقديم هذا الأرشيف الثري. كلنا يدرك حين داهمنا سيل القنوات الفضائية العرم مطلع التسعينيات الميلادية، كيف أخذت تلك القنوات تتناسل حتى غدت حالياً بالمئات، لكنها غثاء سيل. غدت قنوات إما تخاطب الغرائز أو تردح، أو تستورد نفايات إعلامية أجنبية وتعيد تشكيلها لتقدمها للمشاهد المغلوب على أمره، والأدهى أنها عربية اللسان لكنها بهوية الغراب الذي أضاع مشيته. أخذ المشاهد الذي عاش فترة الهدوء أو كما يطلق عليها الجمهور فترة (الطيبين)، أخذه الحنين إلى بساطة وتلقائية وصدق الطرح الدرامي والإعلامي القديم، فكانت قناة (القرين) وكأنها اللقية التي وجدها صاحبها بعد عناء بحث لزمن طويل. الإنسان الكويتي لديه حس فني عالٍ بالفطرة، ولعل البحر ومراكب اللؤلؤ ورحلات الصيد والتجارة إلى الهند وفارس وغيرها، ولّدت هذا الحس الفني مع البراعة التجارية والبحرية. هذه القناة قدمت مثالاً يحتذى لباقي تلفزيونات المنطقة والقنوات الفضائية الأخرى، في إعادة إحياء التراث وتقديمه، وبالمناسبة، فإنّ معظم القديم يفوق في القيمة الفنية ما يقدم حالياً عبر القنوات الخاصة والعامة، والسبب كما قلت، صدق الطرح وبساطته وبعده عن الإسفاف والابتذال. وأعلم أن التلفزيون السعودي كان لديه 300 ألف ساعة بث في أرشيفه الذي يتنوع بين الفنون والدراما والوثائقية، وهذا سمعته شخصياً من مدير القناة الأولى نفسه، وكانت قناة أرشيفية على وشك الانطلاق إلا أن ذلك لم يحدث، فكلنا أمل بأن تنطلق عما قريب. تحية لقناة احترمت الماضي الجميل، قناة (القرين) وإلى الأمام.