اللواء الركن م. سلامة بن هذال بن سعيدان
من المعروف أن المملكة تنفرد بخصوصية دينية ومكانية تميزها عن غيرها من الدول الإسلامية، مستمدة هذه الخصوصية من احتضانها للأماكن المقدسة، وهبوط الوحي على أرضها وانطلاق الرسالة المحمدية الخالدة من هذه الأرض، وهي الرسالة التي بفضلها تم نشر الدين الإسلامي في جميع أرجاء المعمورة.
والدولة التي أنعم الله عليها بخدمة الحرمين الشريفين ومكنها من رفع راية الإسلام حقيق بها أن تحتل مكان الصدارة في العالم الإسلامي بفضل ما شرفها الله به من قدسية المكان والزمان، باعتبارها تمثل قبلة للمسلمين وإليها تعود مرجعية هذا الدين، الأمر الذي يفرض عليها أن تكون قدوة للأمة الإسلامية التي وصفها الله بالوسطية والخيرية، حيث إن المملكة إذا ما حافظت على التمسك بهذه القدوة وهذا الوصف منحها الله القدرة على حماية مقدساتها والمحافظة على دينها وأمنها، مهما تربص بها الأعداء وثارت الفتن من حولها وعاكستها الظروف.
وعلى هذا الأساس فإن احتضان المملكة لأماكن العبادة التي تتجه إليها أنظار المسلمين وتتعلق بها أفئدتهم وجعلها الله مثابة للناس وأمنا، بوأتها هذه الخصوصية مكاناً جعل منها قدوة للأمة الإسلامية، مما يضاعف من مسؤوليتها الدينية والإنسانية لأن القدوة الصالحة تحرص على تطبيق المنهج الديني واحترام قيوده والبقاء داخل حدوده، معتبرة ذلك جزءاً من عملية الدفاع عنه والتضحية في سبيله.
ومن هذا المنطلق فإن المملكة تعلم علم اليقين أن الخروج من دائرة العلم بالشيء إلى دائرة ممارسته يضعها في الموقف الذي تستشرف منه أن بعض ما يصلح فعله للدول الأخرى لا يصلح لها أن تفعله، طالما في ذلك ما يطعن في قدوتها ويقلل من شأن مرجعيتها أو يفقدها ثقة الوسط الإسلامي المعتدل، منطبقاً ذلك على الدول المتحالفة معها أما تلك المناوئة لها فلها شأنٌ آخر في التعامل والمعاملة وفقاً لميزان الخصومة أو العداوة، ويعود هذا الاختلاف في المواقف إلى حساسية موقف المملكة الديني الذي يُحتم عليها مراعاة الكثير من الاعتبارات التي تضع لها قيوداً وترسم لها حدوداً، نزولاً عند مصلحتها الوطنية والتزاماتها القومية والدينية في الوقت الذي لا يجد غيرها غضاضة في كسر القيود والخروج من الحدود.
والواقع أن المملكة بالإضافة إلى حرصها على عدم المساس بالثوابت الوطنية والدينية والارتقاء بهذا الثوابت إلى المستوى الذي يجعل الانتماء الوطني يعزز الانتماءين القومي والديني فإنها حريصة بالقدر نفسه على التعامل مع الأزمات التي تغرق فيها المنطقة بالشكل الذي يخدم هذه الغاية دون أن تدع هذه الأزمات وبالتحديد الأزمة الخليجية تستغل من قِبل أصحاب الأقلام المسعورة ودعاة الأبواق المأجورة التي يحاول القائمون عليها الإساءة إلى المملكة والنيل من سمعتها في خضم ما يُقال عن الإرهاب والخلط بين من هو الإرهابي وغير الإرهابي، ومحاولة إقحام الدين في عملية التصنيف من قبل الأطراف الموصوفة بالإرهاب أو تلك المعروفة بعداوتها للمملكة.
ولتفنيد ودحر ما يقوله هؤلاء المتجنين والمفترين فإن المملكة قد حققت قصب السبق في مكافحة الإرهاب والتعامل مع الإرهابيين، كما أدركت مبكراً خطورة الوضع وبادرت بالدعوة إلى مكافحة هذه الآفة عبر جهد جماعي وتحالف دولي فاعل على الأرض بغية القضاء على الإرهاب من جهة، ونفي التهمة الموجهة إلى الإسلام والمسلمين من جهة أخرى، وما مؤتمر الرياض الأخير إلا ثمرة من ثمار هذه الدعوة، ونتيجة لجهود دولية مشتركة بدأت بالتحالف الدولي لمكافحة الإرهاب في العراق وسوريا وانتهت بالتحالف الموسع في مؤتمر الرياض.
ومواجهة الخطر الإيراني في المنطقة ووقف تمويل الإرهاب من أهم الأهداف التي دعا إليها مؤتمر الرياض مع العلم أن النظام الإيراني والنظام القطري هما اللذان يرعيان الإرهاب ويموِّلانه في المنطقة، وذلك بشكل مباشر أو من خلال أدواتهما من التنظيمات التي تأتمر بأوامرهما، أو تلك التي تُنظِّر لهما، أياً كان المذهب الذي تنتمي إليه هذه التنظيمات مع التحايل على هذا الصنيع وتغطيته بالخداع وترويج الشعارات والافتراءات، مغلفة التشيع السياسي والنهج الإخواني المسيّس بغلاف من الدين للتدليس والتلبيس وإثارة الفتن هنا وهناك.
وعود على بدء فإن المملكة بقدر ما يكون لها من دستورها مرشداً ومن السنة النبوية منهجاً بقدر ما يكون في مُكْنتها التأثير على عمقها العربي ومحيطها الإسلامي على النحو الذي يدعم دورها القيادي، ويزيد من قدرتها على بناء تحالفات سياسية واقتصادية وعسكرية.
وإذا كان الأمر يدعو إلى ما قرع بابه وجذب أهدابه فإن عاصفة الحزم برهنت على مواقف أولئك الذين وقفوا إلى جانب الحق في حين عرّت المتلونين والمتربصين، وها هي الأزمة الخليجية تتوغَّل في هذا الاتجاه، وتكشف جوانب لم تكشفها عاصفة الحزم، مما يستدعي استعراض كشف حساب الأزمة وغربلة وإعادة تقويم بعض المواقف مع مراعاة حساسية العامل الديني والعامل الإنساني في هذه الأزمة والتعامل مع العاملين بكياسة دينية وحصافة سياسية ومهنية إعلامية عن طريق العمل الجاد لامتلاك ناصية الخطاب الديني الصحيح الذي يتناغم وينسجم مع كل من الخطاب السياسي الحصيف والخطاب الإعلامي الهادف بصورة تكفل تصويب المسار وعقد العزم على تحقيق الانتصار لتفويت الفرصة على المغرضين الذين يجيدون الخبث السياسي والتضليل الإعلامي، بما يضمن إقامة الحجة عليهم وإحباط مسعاهم.