د.عبد الرحمن الحبيب
القطاع الحكومي المتطور بالمملكة أسهم بدور كبير في مساعدة القطاع الخاص والوصول به لمستويات متقدمة، ويمكن للقطاع الحكومي أن يؤدي الدور نفسه في مساعدة القطاع التعاوني والجمعيات التعاونية وتطورها مما يحد من الظواهر السلبية التي رافقت القطاع الخاص كالاحتكار والغلاء.
كان هذا جزءاً من فحوى ملخص كتاب «النشاط التعاوني في المملكة العربية السعودية.. واقعه ومستقبله» للمستشار الاقتصادي د. عبد الله الفرج. يمثل الكتاب دراسة في واقع ومستقبل النشاط التعاوني بالمملكة، وتقييمه إدارياً ومالياً، وآفاق تطوره، ثم يطرح النتائج والتوصيات. وقبل ذلك يتناول الكتاب التجربة التعاونية في العالم مع التركيز على التجربتين الكويتية والروسية. وهنا لقطات موجزة لأهم ما جاء في الكتاب.
يعمل في القطاع التعاوني نحو 800 مليون إنسان في 70 ألف جمعية تعاونية بمائة بلد ويستفيد منه نصف سكان المعمورة، ومن ثم فهو ينافس القطاع الخاص، رغم أنه لا يهدف للربحية بالدرجة الأولى بل لتلبية ما يحتاجه أعضاؤها بأقل ما يمكن من أسعار خاصة عند ارتفاعها لدرجة لا يتمكن معها أصحاب الدخل المنخفض من الحصول على ما يحتاجونه من ضروريات، لذا تعد الجمعيات التعاونية مهمة للاستقرار الاجتماعي.
صاحب الثورة الصناعية في أوروبا بالقرن 18، تدهور أوضاع العمال الذي فكروا في إنشاء تعاونيات استهلاكية. أول جمعية تعاونية ظهرت في بريطانيا عام 1844م أنشأها عمال روتشيديل كمتجر استهلاكي ملكيته جماعية لهم؛ وضعت خلالها الأسس والتقاليد التي قامت عليها الجمعيات التعاونية في العالم. بعدها بنصف قرن تأسس الحلف التعاوني الدولي بلندن باعتبار العمل التعاوني نشاطاً لأشخاص يتحدون اختيارياً في جمعية لمواجهة احتياجاتهم الاجتماعية والاقتصادية والثقافية وتحقيق آمالهم من خلال مشروع ملكية مشتركة يدار ديمقراطياً.
وفي المملكة، توجه الإدارة العامة للجمعيات التعاونية (وزارة العمل والتنمية الاجتماعية) الحركة التعاونية بالإشراف والدعم والتأهيل.. وقد بلغ عدد الجمعيات 208 أغلبها متعددة الأغراض يليها الجمعيات الزراعية (42 جمعية). وقد حدد مجلس الجمعيات التعاونية أهدافها من اقتصادية كمواجهة الاستغلال والغش والتلاعب بالأسعار؛ وأهداف اجتماعية كنشر الوعي والثقافة وتحسين شروط العمل وتأمين الخدمات. لذا، فالقطاع التعاوني يساند مؤسسات المجتمع المدني مما يسهم في دعم الطبقة الوسطى التي تعد أساس تماسك أي مجتمع واستقراره.
لكي يحقق القطاع التعاوني أهدافه يفترض أن يُبنى على أسس سليمة وليس فقط تقليد البلدان الأخرى؛ فثمة بلدان نامية وأخرى متقدمة لها مدخلات ومخرجات مختلفة. فالهدف بالبلدان النامية محاربة الفقر، حيث الجمعيات تمد المشاركين بالسلع الأساسية بأسعار رخيصة لكن على حساب الجودة فلا تتطلب كفاءات، بينما بالدول المتقدمة تكون الجودة تنافسية وبأسعار مناسبة لكنها تتطلب كفاءات متميزة. لذلك فإن التعاونيات بالمملكة يفترض أن تكون مزيجاً بين تجارب البلدان النامية والمتقدمة.
يقدم الكتاب في فصله الثالث تقييما إدارياً ومالياً للجمعيات التعاونية بالمملكة، كنظام الجمعيات التعاونية ولائحته التنفيذية ومجلس الجمعيات التعاونية، موضحاً سخاء الدعم الحكومي لها وهو مائة مليون ريال سنوياً إضافة للهبات الملكية وآخرها 200 مليون تبرع بها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان. لكن يفترض بمجلس الجمعيات (وهو بمثابة نقابة) أن يستغني تدريجياً عن الدعم الحكومي ويعتمد على تمويله الذاتي أسوة بمجلس الغرف التجارية، بإيجاد موارد مالية مستدامة من خلال: رسوم العضوية والخدمات، الاستثمارات، صندوق تنمية تعاونية.. كي يتمكن مجلس الجمعيات من منافسة مجلس الغرف الذي يدافع عن قطاع الأعمال التجارية (الملكية الخاصة) فيما الأول يدافع عن القطاع التعاوني (الملكية المشتركة)..
الفصل الرابع يطرح جوانب القوة والضعف للقطاع التعاوني. على رأس جوانب القوة: دعم الدولة، توفر تجربة عالمية ضخمة، القطاع التعاوني في بداياته ولم يصل للتشبع، نقص في العرض والمملكة أكبر سوق بالشرق الأوسط مما يفتح مجالاً واسعاً للنشاط التعاوني، نقص مواجهة الاحتكار مما يقدم فرصة للنشاط التعاوني لكسره..
أما أهم جوانب الضعف: الافتقار للخبرة التعاونية والكوادر الفنية المؤهلة، ارتفاع مستوى الدخل، تقاليد التسوق لا تشجع القطاع التعاوني، عدم وجود بنك مركزي تعاوني وغياب الخبرة البنكية في تمول الجمعيات وتأخر صرف بعض الجهات الداعمة، عدم حصول الجمعيات على تخفيضات جمركية، تقلص موارد الجمعيات المالية، بُعد مواقع بعض الجمعيات وصغر رؤوس أموالها، تدني مستوى الوعي التعاوني والدعاية له، فشل بعض التجارب التعاونية يثبط الآخرين..
من أهم نتائج الدراسة هو أن الدعم الحكومي الكبير للنشاط التعاوني لم يؤد لتطور مماثل للنشاط التعاوني الذي لا يزال هامشياً في الناتج المحلي الإجمالي. أما أهم التوصيات: إلغاء مسمى النشاط التعاوني «متعدد الأغراض»، الاستفادة من التجربة الكويتية ومتابعة نشاط الحركات التعاونية في العالم، الاستفادة من توصيات اللقاءات التعاونية (تسهيل إجراءات الترخيص، الإعفاء من الرسوم الجمركية، إيجاد صندوق خاص..)، تعديل المادة 52 لتضم أنواعاً جديدة من الإعانات، إعانة أرباح (الجمعيات التي تحقق أرباح يفترض أن تحصل على معاملة مميزة)، إعانات المشروعات للقطاعات الحيوية، إعانة تشجيع الجمعيات للمساهمة في الحياة الاجتماعية.. مبادرة القطاع الحكومي بالاستثمار في القطاع التعاوني.. فالمملكة بحاجة كبيرة لأن يأخذ القطاع التعاوني مكانه إلى جانب القطاعين الحكومي والخاص.