ياسر صالح البهيجان
مصطلح «الإسلامويّة الجديدة» يُعد من المفاهيم الحديثة التي تؤرّخ للتحولات الجوهريّة في أيديولوجيات جماعات الإسلام السياسي والراديكالي في منطقة الشرق الأوسط، والتي كانت في السابق تمارس نوعًا من الازدواجيّة فيما بين سلوكها المُعلن وما تضمره من أهداف، بينما هي في حالتها الراهنة تبدو أكثر وضوحًا في رغباتها بتغيير أنظمة الحكم بالعنف والفوضى، ما جعلها تمثّل خطرًا أوليًا على المجتمعات القائمة، وقادها ذلك إلى التحالف الواضح مع منظمات متطرّفة ذات رؤى لا تنسجم مع طبيعة العصر الراهن، وما تفرضه النظم الدولية من مواثيق وأعراف.
وتكمن خطورة «الإسلامويّة الجديدة» في أنها تمارس نوعًا من الخداع الشعاراتي المطروح للاستهلاك الشعبوي، والموجّه نحو الطبقات ذات التعليم المحدود التي تغلب عليها العاطفة الدينيّة، وتجعلها غير قادرة على رؤية الأهداف المستترة خلف البروباغندا المُعلنة، لتبلغ حدّ تفسير أي محاولة لكبح جماح تلك التنظيمات الفوضويّة بأنها مساعٍ تروم محاربة الدين الإسلامي، وهذا مؤشّر مُقلق ويكشف عن حالة تيه معرفيّ والتباس، قد يشكّل نواة جديدة لتشكيل جماعات تحمل الأيديولوجيّة المتطرّفة ذاتها.
وقد فرّق عدد من الدارسين بين ثلاثة تشكّلات تتخذ من الإسلام منطلقًا لها، النموذج الأوّل هو الإسلام المحافظ والذي يتأسس على تعاليم الدين السمحة وغير المتعارضة مع واقع العصر، ومن أمثلته عدد من الدول العربية ومنها السعوديّة، والنموذج الثاني الإسلام الراديكالي الذي يتّجه إلى تفسير النصوص الدينية تفسيرًا عنيفًا وإقصائيًا يشرعن القتل، ومنها الجماعات الإرهابيّة كالقاعدة وداعش والميليشيات الطائفيّة، والنموذج الثالث الإسلام السياسي، وهو نوع من التلوّن البرغماتيّ الذي يجعل من المبادئ الدينية ذريعة للوصول إلى الحكم، ويمثّلها جماعة الإخوان المسلمين وحركة حماس وغيرهما.
الإسلام المحافظ وحده القادر على الانسجام مع الظرف السياسي والثقافي والاجتماعي الراهن، وأثبتت الوقائع بأن الإسلاميين الراديكالي والسياسي، لا مستقبل لهما في منطقة الشرق الأوسط، وكلاهما يمثلان حالة استغلال للدين أكثر من كونهما ملتزمَين التزامًا حقيقيًا بمبادئه، بل تحولت ممارساتهما ذات الأفق الضيّق إلى مصدر تشويه للدين الحنيف، وأوجدا ذرائع للمتربصين بالإسلام، وكانا سببًا رئيسًا في التضييق على المسلمين ما أنتج مصطلح «الإسلاموفوبيا».
والحقيقة أن المجتمعات الإسلاميّة هي أكثر من اكتوى بلهيب الإسلامويّة الجديدة ذات البعدين الراديكالي والسياسي اللذين أسسا لحالة تقسيم فئوي وتصنيفات ذهبت حدّ تكفير وتخوين أفراد المجتمع الواحد، إمّا انطلاقًا من نظرة متطرّفة أو بحثًا عن أطماع سياسيّة تسعى لشقّ الصف المجتمعي وخلخلة النظم الحكوميّة القائمة، وبذلك لن يبقى سوى الإسلام المحافظ المُدرك لروح العصر والمنسجم مع تحولاته.