إبراهيم عبدالله العمار
كتاب «جغرافية التفكير» الشائق يوضح فروقاً بين الآسيويين والغربيين في التفكير، وهي فروق عميقة.
ينشأ الغربي والآسيوي في عالمين مختلفين: عالم الأشياء (للغربي) وعالم العلاقات (للآسيوي). الغربي يرى عالماً فيه أجسام أو أشياء ولها خصائص (سيارة، إنسان، حدث معين)، بينما الآسيوي يرى عالماً مترابطاً متصلاً لا نستطيع فيه أن نفصل بين أشيائه بهذه السهولة، ولذلك يسهل على الغربي تصنيف الأشياء ضمن مجموعات معينة، وتجربة على آسيويين وغربيين أظهرت هذا، وقبل معرفة نتائجها دعونا نجربها: لديك صورة بقرة، ثم فوقها صورتان: تبن، ودجاجة. لو طُلب منك أن تقرن إحدى هاتين بالبقرة فأيها أقرب؟
الغربيون اختاروا الدجاجة، بينما الآسيويون اختاروا التبن. لا تظن أن هذا شيء صغير بل هذه مما يُظهِر الفرق بين نظرة الاثنين للعالم: الغربي يصنِّف. لقد صنف البقرة والدجاجة أنهما أشياء، أشياء لها خصائص (حيوانات مثلاً) وهكذا ربطهما، بينما الآسيوي يرى العلاقات، فرأى «بقرة تأكل تبناً».
لهذا فإن الطفل الغربي يتعلم الأسماء أسرع من الأفعال. الأسماء تصنيفات: ترى قطة وترى صفاتها (ذيل، تلك الشعيرات أسفل الأنف، شكل يشبه الأسد) وتخزن الخصائص في عقلك، ثم تطبق التصنيف على أيّ كائن له تلك الخصائص. لكن العلاقات تعتمد على الأفعال لا الأسماء، فمثلاً أن «ترمي» يعني أن تستخدم يدك لتحرك شيئاً في الهواء إلى مكان آخر. لكن مجرد إشارتك لشخص يرمي شيئاً لا يضمن أن الرائي سيفهم مقصدك (هل تشير إلى الرمي نفسه؟ إلى شكل الرامي أو ملابسه أو تعابيره إلخ؟)، عكس لو أشرت لقطة، وبسبب هذا الإبهام في الأفعال فهي أصعب تَعلُّماً، وهي أصعب ترجمة من لغة لأخرى، والأطفال عادة يتعلمون الأسماء بمقدار 2 في اليوم، أسرع من الأفعال بكثير، وتفاجأ العلماء لما رأوا أن الأطفال (1-3 سنة) الآسيويين يتعلمون الأفعال والأسماء بنفس السرعة، لكن نظراً للفرق بين الحضارتين فهذا ليس مفاجئاً، فأولاً الأفعال أكثر استخداماً في اللغات الآسيوية (تأتي في أول وآخر الجملة، بينما في الانغليزية تُدفن في المنتصف). ثانياً: طريقة المرأة الغربية في تعليم طفلها هي أن تشير لأجسام وتُعدّد خصائصها ليستوعبها الطفل، واتضح هذا في بعض التجارب على أمهات من الفريقين راقب فيها العلماء كيف تلاعب الأم طفلها، فأما الأمريكيات فكنَّ يستخدمن الأسماء أكثر مثل قطة وحصان، تقول لابنها: «هذه سيارة. ترى السيارة؟ هل تحبها؟ لها إطارات جيدة!». لكن الأم اليابانية تقول: «إليك اللعبة. أنا أعطيكها الآن. الآن أعطنيها. نعم! شكراً!». كما ترى فالطفل الأمريكي ينشأ وينظر للعالم على أنه أشياء لها صفات، بينما الآسيوي يرى العالم يعتمد على العلاقات بين الأشياء وبين الناس (ولاحظ «شكراً» وكيف يَرضعون التهذيب!).