د. محمد عبدالله الخازم
رغم تشابه جامعاتنا ومركزية فكر القائمين عليها إلا أنه يبقى هناك مجال للتمايز والاختلاف بينها في مجال تبنيها مبادرات تنبع من بيئتها المحلية وثقافة المنطقة التي تقطنها.
الأمر ينطبق على جميع الجامعات، لكن الحديثة منها أحوج لأن تبرز عن هوية وثقافة تنبع من تبني مبادرات محلية مناسبة لها. ساختار جامعة الباحة (وفي الصيف يتذكر أهل الباحة منطقتهم!) لأطرح للقائمين عليها فكرة قد تصبح مبادرة نوعية ذات أثر ملموس في مجتمعها وبيئتها.
الباحة رغم صغرها تمتاز ببيئة فريدة، بما يشمله ذلك من مناخ وتضاريس وغطاء نباتي وبيئي. لذلك يتفق الأغلبية على أنها من أبرز المناطق السياحية من ناحية الطبيعة والمناخ، وتتكرر المطالبات بتتويج هذا التميز الفطري بدعم الخدمات التي تسهل وتجذب صناعة السياحة بصفة عامة. فكيف يمكن لجامعة الباحة تقديم مبادرة نوعية تتسق وهذه الطبيعة وهذا الموروث البيئي والثقافي للمنطقة؟ كيف تبدأ بمبادرة أو مبادرتين، باعتبار أن خلق الهوية يشكله مجموع المبادرات؟
جامعة الباحة، وباعتبار مديرها صرح باهتمامه بريادة الأعمال وأهم صفات رائد الأعمال التقاط الأفكار الجذابة والمختلفة، لديها فرصة لأن تدعم هويتها النابعة من بيئتها المحلية وكذلك تدعم الميزة الأولى للمنطقة بتبني فكرة تأسيس متحف زراعي وبنك للبذور والنباتات المحلية. حسب معلوماتي المتواضعة توجد مئات الأنواع من النباتات والبذور التي توجد بمنطقة الباحة وقد لا توجد في مناطق أخرى بالمملكة. وأذكر في هذا الصدد مؤلف الدكتور أحمد قشاش وهو معجم لنباتات المنطقة حوى صورًا ومعلومات مئات النباتات الموجودة بمنطقة الباحة. جامعة الباحة قد تصبح مرجعًا على المستوى الوطني في هذا المجال حيث لا يوجد متحف أو بنك وطني للبذور والنباتات في المملكة.
وأشير إلى متحف وبنك، لأنني أرى كلاهما مهم. نحن نحتاج توثيق طرق الزراعة والفلاحة وأدواتها القديمة والحديثة في الباحة وبلادنا بصفة عامة، حيث لا يوجد لدينا متحف وطني زراعي وهذا سيكون مصدر جذب علمي سياحي ثقافي فريد لجامعة ومنطقة الباحة. وأجزم بأن المكونات لمثل ذلك متوافرة وتفوق ما هو متوقع وما نراه في متاحف دولية، رغم محدودية مكوناتها تستقطب آلاف الزوار سنويًا. أما البنك فسيكون مرجعًا علميًا واقتصاديًا للباحثين والدارسين وسيكون أداة لحفظ بعض البذور والنباتات والسلالات النباتية التي تتجه للانقراض أو يخشى تعرضها للانقراض وهي ثروة وطنية، كما يشير إلى ذلك الخبراء في هذا المجال.
هذا مشروع ريادي لما له من أبعاد اقتصادية وانثربولوجية وبيئية وثقافية وتعليمية وتقنية متنوعة وليس من الصعوبة بمكان تأسيسه متى وجدت الإرادة. الفكرة موجودة على مستوى عديد من دول العالم، وحتى محليًا هناك تجارب في مجالات أخرى كمتحف الزيت الذي أسسته «أرامكو» بغرض شرح تاريخ وطرق استخراج الزيت وكيف بدا صغيرًا حتى أصبح مركزًا عالميًا. أو متحف الآثار بجامعة الملك سعود الذي أصبح يغذي متاحف المملكة بالخبرات والمواد الأثرية.
وزارة البيئة والزراعة وهيئة السياحة ورجال الأعمال والجمعيات الزراعية وإمارة المنطقة لن يبخلوا بدعم مشروع كهذا يبرز أحد أهم أوجه منطقة الباحة الجميلة، فهل تبادر الجامعة؟