ياسر صالح البهيجان
يتجه عدد من المحللين إلى تضخيم أثر مقاطعة عدد من دول الخليج للحكومة القطرية على منظومة مجلس التعاون الخليجي، والحقيقة أن قوة المجلس تتجاوز الدوحة بمراحل، وأي خطوات تأديبية جديدة ضد قطر ستزيد من عزلة الأخيرة، ولن ينعكس تأثيرها سلبا على باقي الدول التي تعد مكونًا رئيسًا وفاعلا داخل المجلس.
المساحة الجغرافية للدول الخليجية تقدّر بمليونين و672 ألف كيلومتر مربع، وتشكّل قطر ما نسبته 0.5 بالمائة من إجمالي المساحة، وهذه النسبة الضئيلة وحدها من سيتضرر في حال جرى تحييدها عن محيطها الخليجي، ووحدها من سيعاني إن فُرضت عليها مزيدًا من العقوبات الاقتصادية، ولا يمكنها أن تجابه القوة الجيوسياسية لدول تشكل ما نسبته 99.5 بالمائة من أراضي الخليج العربي، ما يؤكد بأن تعنت حكومة الدوحة في توجهاتها ناتج عن حالة تخبط سياسي، يستلزم إعادة النظر في آليات صنع القرار لديها، وأهلية من يضعون سياساتها الخارجية، فإن ما تفعله الدوحة يُعد في الأعراف السياسية انتحارًا، واتجاها مباشرا نحو الجحيم.
ومن منظور التعداد السكاني، فإن الدوحة لديها ما نسبته 5 بالمائة فقط من إجمالي سكان دول المجلس، أي أن سياساتها غير المتزنة من شأنها أن تلحق الضرر بمواطنيها دون أن تُحدث أي أثر في 95 بالمائة من مواطني دول الخليج الأخرى، وهو ما يتطلب تعقلا للحفاظ على مصالح القطريين، الذين سيكونون مجبرين على تحمل تبعات سياسة حكومتهم الرعناء، رغم سعي الدول المقاطِعة إلى تخفيف الضرر عنهم قدر المستطاع، ولكن مع استمرار الحكومة القطرية في مكابرتها، فإنها وحدها المسؤولة عن أي خطوات قد تضر بمستوى معيشة المواطن القطري.
ثمة أحجام للدول لا يمكن تجاوزها عند قراءة المشهد الراهن، وكما أن دولة بحجم لوكسمبورج المنضوية ضمن منظومة الاتحاد الأوروبي لا يمكنها اتخاذ أي خطوة عدائية ضد جارتيها الضخمتين ألمانيا وفرنسا، فإن الحال كذلك مع الدوحة وأشقائها، وليس بالإمكان تبرير التحريض ودعم التطرف ضد دول الجوار تحت مسمى السيادة والاستقلالية في اتخاذ القرار، وهو منظور أخرق يكشف عن فقر في أبجديات العمل السياسي، إذ لا سيادة وفق الأعراف والمواثيق الدولية تمنح أي دولة حق التدخل في شؤون الدول الأخرى، لذلك على الدوحة أن تصحو عاجلا من غفلتها، وأن تدرك حجمها في هذه الأزمة، وتبادر في تنفيذ المطالب المشروعة لتقي نفسها من تداعيات لن تعصف إلا بها وحدها.