يوسف المحيميد
كثيرًا ما نتساءل، لماذا نزيِّن جدران منازلنا باللوحات؟ هل هي جزء من الديكور؟ أم هي مستقلة بذاتها؟ هل نفكر بلون اللوحة أو لا كي تتناسب مع الأثاث؟ أم نفكر بعناصرها وأسلوبها بمعزل عن الأثاث؟ في الحالة الأولى سنختار لوحات تجارية ضعيفة المستوى من حيث العناصر والأسلوب، لأنها ستكون مكملة لديكور المكان، وفِي الحالة الثانية، سنقتني لوحات فنية ذات بعد جمالي، فيها عناصر جديدة، وأسلوب مختلف، ولن ترتبط بالديكور، بل يجب أن يرتبط بها الأثاث، وليس العكس، هي لوحة تقود الأثاث، لا تنقاد إليه، وهي لوحة إبداع لا اتباع، لوحة ينتجها فنانون لهم مكانتهم المرموقة في الساحة الفنية، والفرق بينها وبين اللوحة التجارية، أنها كلما تقادمت ازداد ثمنها، لما تحمله من قيمة فنية جمالية، تجعلها قطعة نادرة، أما التجارية فليس لها قيمة، ومآلها غالبًا التخلّص منها بسهولة، والتنازل عنها مع الوقت كلما غيّرنا الديكور، وكما لو كانت أثاثًا زائدًا عن الحاجة!
كثير من المقالات والأبحاث، بالذات بالإنجليزية، تشرح كيفية تطوير الذائقة الفنية، بهدف اقتناء الأعمال المتميزة، فلدى كل فنان مجموعة من الأعمال، القليل منها ما يثير دهشتنا، وهو ما يستحق الاقتناء، فكيف نحدد هذه من تلك؟ غالباً عن طريق تطوير الذائقة الفنية، أو الاستعانة بخبراء فنيين، لديهم المعرفة والخبرة والذائقة لتحديد الأعمال الجميلة عن غيرها.
علينا إذن أن نتعرَّف على الفن بقدر ما نستطيع، خاصة الفن العالمي، بزيارة المتاحف والمعارض، ومحاولة فهم كيف استطاعت هذه العقول العظيمة إبداع كل هذا الجمال، وربما الأهم من ذلك زيارة المتاحف الشخصية، التي تضم مجموعات المشاهير من جامعي اللوحات، مثل مجموعة فريك في نيويورك، ومتحف ثيسن-بورنيميسزا في مدريد، ومجموعة فيليبس في واشنطن، ومركز جيتي في لوس أنجلوس، وفونداسيون برادا في ميلانو، وغيرها من المتاحف الشخصية التي نمت من القطاع الخاص، فهي تُعلم وترفع مستوى الذائقة، والأهم أننا بعد تأمل مجمل الواحات والقطع الفنية في تلك المتاحف والمجموعات، علينا أن نسأل أنفسنا: ما المشترك بين هذه المجموعات؟ ما الذي يجمع بين ذائقات جامعي اللوحات؟ أكاد أجزم أن التدريب البصري والتحليلي لهذه الأعمال سيجعلنا قادرين على فرز الجيد من الرديء، ومن ثم تكوين مجموعاتنا الخاصة من الأعمال الفنية الرائعة.
كما أن حضور المحاضرات والورش التي تحلِّل الأعمال الفنية مع الخبراء الفنيين، لفهم تفاصيل اللوحات وأسرارها، يسهم في القدرة على اكتشاف جمال اللوحة أو معرفة مشاكلها الفنية، وكذلك وجود نقاد الفن الذين يكتبون في الصحف عن المعارض المقامة، رغم ندرتهم وتحول معظمهم - خاصة على المستوى العربي - إلى مجموعة مجاملين ومصفقين على الدوام مما لا يساعد على تكوين رأي فني صادق وأمين، وكذلك يجب معرفة مستويات الأسعار لكل فنان ومدى منطقيتها ومناسبتها، إضافة إلى تحديد ميزانية للاقتناء، وتوفير مخازن آمنة وجافة ومجهزة برفوف مناسبة لحفظ الزائد منها، إضافة إلى أهمية توثيق اللوحات وملكيتها، وهو ما نفتقده عربياً في كثير من حالات الشراء، وأخيرًا التخطيط للمستقبل بالنسبة للورثة وتعريفهم بقيمة هذه القطع النادرة، والحفاظ عليها، أو بيعها بأسعارها العادلة.