د. محمد عبدالله العوين
اختفى تميم بن حمد عن الأنظار بعد عيد الفطر الذي استقبل فيه بالديوان الأميري المهنئين بحضور والده، وقد منح غياب أخبار تميم في الإعلام الرسمي القطري تكهنات كثيرة دارت في مجملها حول ابتعاده عن المشهد السياسي فترة احتدام مقاطعة الدول الأربع قطر وتسليم ملفها لوالده ولحمد بن جاسم؛ عجزًا منه عن مواجهة الأزمة بسبب ضعف فريقه ونقص المعلومات المتصلة بنقاط القوة في مراكز القرار الخليجية وضعف المعلومات عن الشخصيات الفاعلة التي تشكل تأثيرًا في السياسة الأمريكية بمجلس الشيوخ والكونجرس.
وتلحظ أيضا عودة رئيس الوزراء وزير الخارجية السابق حمد بن جاسم إلى الأضواء قليلا عبر تصريحات متقطعة وأحاديث قصيرة في وسائل الإعلام الأمريكية مواجها دول الخليج الثلاث ومصر بعد مقاطعتها قطر، وفسر هذا الحضور المقتضب بأن الرجل القوي الذي يوصف بأنه العقل السياسي والاقتصادي لقطر طوال فترة حكم حمد بن خليفة بأن الدافع لعودته الحاجة الماسة واضطرارا لا اختيارا بعد خروجه من السلطة منتصف 2013م.
كان إبعاده عن الواجهة وتخليه عن مناصبه السياسية والمالية قبل أربع سنوات متزامنا مع تنازل الأمير السابق حمد بن خليفة عن الإمارة لابنه تميم وشرطا من شروط ابتعاد الأمير الوالد عن الحكم وتخليه عن كرسي الإمارة لابنه تميم، ولم يكن تنازل حمد بن خليفة إلا وسيلة لإبعاد حمد بن جاسم عن السلطة خوفا من عدم قدرة تميم على مواجهة نفوذه وقفزه على سدة الحكم بعد وفاة والده؛ فاتفقت والدة تميم موزة بنت ناصر المسند مع إخوانه على ضرورة تنازل الأب لابنه عن السلطة في حياته وسحب سلطات حمد بن جاسم كاملة.
والحق أن الحمدين لم يكونا غائبين عن إدارة الأمور كل الغياب بعد ابتعادهما؛ فحمد بن جاسم ينتشر رجاله في كل مفاصل الدولة، ومن خلالهم كان يشرف على تسيير قضايا عديدة كما كان الأمر سابقا، وكأنه لم يغب عن البلاد، ومن خلال نفوذه الاقتصادي الكبير في المؤسسات والشركات الكبرى والمشروعات الضخمة التي كانت تحت يده استطاع استكمال البنية الضخمة التي عمل مع الأمير الوالد على رسمها لقطر 2022م حيث ستحتفل بالمونديال العالمي.
كانت استجابة حمد بن خليفة لهاجس الخوف من ضياع فرصة ابنه في السلطة وتنازله له وهو حي خوفا من قفز رفيقه حمد بن جاسم إلى كرسي الإمارة بما يملكه من دهاء وإمكانات مالية وعلاقات قوية وشره لا حدود له في الحضور السياسي وامتلاك القرار، ولكنه أبرز تنازله لابنه تميم بصياغة تتلاءم مع شخصيته القيادية المطبوعة على التقلبات والاندفاع والمغامرات الأيدلوجية؛ فقد آثر ارتداء عباءة «القائد» ومسوح «المعلم» ونزع عن نفسه اختيارا -كما أكد في خطاب التنازل- صفة الحاكم بعد ثمانية عشر عاما من ترسيخ خطة التغيير التي كان يطمح إليها، والتفرغ لرعاية الأهداف الكبرى البعيدة من وراء ستار وكانت إرهاصاتها قد بدأت باشتعال حرائق الخريف العربي التي خطط لها مع رفيقه حمد بن جاسم وجماعة الإخوان وقوى مجتمع مدني مستقطبة مدعومة وخلايا متطرفة أخرى في كل البلدان التي اشتعل فيها حريق الخريف.
إنه الأب المعلم والقائد -كما يزعم- الذي يقود بلاده ومحيطه العربي إلى التغيير والانقلاب على نفسه؛ من خلال «الفوضى الخلاقة» كما ذهبت كونداليزا التي تشاركه ورئيسها أوباما في الرؤية، ومن خلال التغيير يحقق المعلم والقائد حمد بن خليفة طموحه المستتر الخفي في تمدد قطر واتساعها لتكون «قطر العظمى» كما يزعم.
ولا تغيب عن ذاكرته كلمات القادة المناضلين الذي سعوا إلى التغيير كغيفار وكاسترو وعبد الناصر والقذافي، فهؤلاء نماذجه الذين يستضيء بهم في تحقيق طموحه الكبير لقلب الأوضاع وإعادة رسم الخرائط.
لقد عاد إلى الحكم، وهو لم يغادره أبدا؛ لأن الهدف إبعاد رفيقه حمد بن جاسم؛ ولكنه احتاج إليه فعاد هو الآخر؛ وكأن شيئا لم يحدث منتصف 2013م.
أما تميم ففي مقعد المتفرج.