فهد بن جليد
برأيي إننا نعاني أزمة ثقة في عالمنا الافتراضي، أرجو أن لا نكون نكذب على بعضنا البعض بشكل كبير وفاضح، وأنَّ مُعظم ما يتم نشره عبر هذه الوسائل عن حياتنا اليومية، أكلنا، شربنا، تسوقنا، مُناسباتنا.. هو نتاج تصنع، ومواقف مُعدة مُسبقاً، لا تعكس حقيقتنا التي يعرفها من يعيش معنا بشكل لصيق، وأنَّ الكل يعرف بأنَّ الكل يكذب، ولكن لا أحد يريد قول الحقيقة للآخر..
كشرط رئيس للشهرة والقبول والانتشار في وسائل التواصل الاجتماعي، عليك أن تظهر كما أنت فقط، وبعد ذلك في مرحلة ثانية تأتي قيمة المعلومة أو الفائدة أو التسلية التي يبحث عنها المُتابعون لتحدد مستوى شهرتك، الخوف من عين الناس الفاحصة والناقدة، وتصنيفاتها بحسب اللبس والمظهر وفخامة المنزل ستتلاشى تدريجياً، لو توقف الجميع عن التصنع، وبدأنا مرحلة جديدة وصحيَّة للتعاطي مع هذه المنصات دون كذب أو تزييف، وشرط التوقف عن تصاعد هذه الموضة الخادعة يبدأ - برأيي- من أعلى الهرم، أي عندما يتوقف المشاهير المُفترضين عن ترويج المظاهر الخادعة والكاذبة عن حياتهم ومُمارستهم اليومية، لتتوقف بعد ذلك الموجة الكاذبة من المُتابعين، والدليل هو بورصة وقوائم نجوم السوشيال ميديا السعوديين - غير المُعلنة - في ظل عدم وجود جهة مُحايدة تستطيع تصنيف من هم المشاهير الحقيقيون بمعايير مقبولة ومُحددة.
الناس تريد أن تتعرف عليك ببساطة عبر رأيك وأفكارك وقناعاتك، تريدك كما أنت تعيش معك حياتك اليومية دون تصنع - بغض النظر عن أحقيتهم في اقتحام خصوصيتك عبر هذه الوسائل من عدمها - ولكن هذه قواعد اللعبة المُتعارف عليها عبر التواصل الاجتماعي، فعندما تحافظ على سجيتك وسليقتك - طبيعتك - سيقبلك من حولك، وقد يكتشفون لديك جوانب جاذبة، ومُفيدة، ومُحببة لهم، لم تتح لهم الفُرصة الكافية لاكتشافها بالطرق التقليدية الواقعية للعلاقات البشرية.
جادة التصنُّع طويلة (لا نهاية لها)، وسرعان ما ستنكشف الحقائق أمام الجمهور مع أول مواجهة، وهذا ما فضح العديد من المشاهير ليدفعوا ثمناً باهظاً بسقوطهم نتيجة تعاملهم المباشر وردودهم ومناقشاتهم مع المُتابعين، إلا أنَّ النسخة الجديدة من المُتعاملين عبر وسائل التواصل الاجتماعي أكثر حذراً من سابقيهم في الجيل الأول، وهو السر في عدم ظهورهم بواقعهم الحقيقي، مما أثر على فكرة تعاطي مُجتمعاتنا مع هذه الوسائل، فالكل يريد أن يشبه الكل ويتفوق عليه، بينما - سر الشهرة - يكمن في ثلاث خطوات يجهلها طالبوها (البساطة، الواقعية، حس الفُكاهة) جرّبها هذا الصيف لتضمن لك ما تريد.
وعلى دروب الخير نلتقي.