«الجزيرة» - وحدة الأبحاث والتقارير الاقتصادية:
تعد القروض الاستهلاكية هي إحدى الظواهر التي باتت منتشرة وعلى نطاق واسع، إذ في الماضي كان الأفراد يتحايلون للحصول على قروض استثمارية في صورة قروض سلع استهلاكية، وينتهجون سبلاً مختلفة للحصول على قروض استهلاكية وتشغيلها واستغلالها في تنفيذ مشاريع استثمارية لهم. فيما الآن أصبح الكثيرون يتحايلون للحصول على سلع استهلاكية في صورة عقارات أو سيارات وأيضا بطاقات ائتمانية ليس من أجل الحصول على السلع ولكن لحرقها وتسييلها للحصول على قروض استهلاكية.
فالقروض الاستهلاكية يفترض أنها ليست إقراضا بالمعنى المتعارف عليه لاقتراض سيولة نقدية، ولكنها في الأصل عبارة تمويل شراء عقار أو سيارة أو سداد رسوم مدرسية أو جامعية وايضاً سداد رسوم رحلة سياحية أو مصاريف علاج صحية، بمعنى أنها لا تمثل إقراض سيولة مباشرة، ولكن لوحظ مؤخرا انتشار سوق للسيارات المحروقة، بمعنى أن الفرد يشتري السيارة بالتقسيط دون التفكير في استعمالها، بل ربما يتفق على بيعها بمجرد اتمام عقد الشراء من المقسط أو المؤجر المنتهي بالتمليك.
الغريب أن مقدار الخسارة ما بين سعري الشراء والبيع المحروق غالبا ما يكون كبيرا، ومن الممكن أن يصل إلى 10% أو 20% وهي خسارة الفارق الزمني ليوم أو يومين أو أيام قليلة.
وأحيانا يقوم المشتري الجديد هو باستلامها من المعرض، وهنا يثور التساؤل: إذا كانت الشركة أو المالك الأول يعلم تماما أن هذه السلع سوف تحرق، وذلك لسبب بسيط جدا أن المقترض الأول يمكن أن يبيع نفس السلعة لنفس المعرض (حالات قليلة)، لماذا لا يتم تقديم السيولة النقدية مباشرة طالما أن الأمر هو طلب سيولة نقدية ؟ البعض يبرر ذلك بالجانب الشرعي، والبعض الآخر يبرره بالايجار المنتهي بالتمليك وسهولته في إقراض السيارات.
ويشير أحدث تقرير صادر عن مؤسسة النقد العربي السعودي «ساما» إلى أن إجمالي القروض الاستهلاكية بلغت في نهاية عام 2016 حوالي 341.1 مليار ريال، على رأسها جاءت قروض السيارات والمركبات والتي بلغت حوالي 32.9 مليار ريال، يليها قروض عقارات بقيمة 29.1 مليار ريال.
وقروض العقارات لها ما يبررها وهي ارتفاع اسعار الأراضي والعقارات، وكون المملكة تسير في مرحلة معالجة لهذا الأمر، ومن ثم فإن وصول معدل النمو السنوي لقروض العقار بالمملكة إلى حوالي 21.5% لها ما يبررها.
أما القروض التي لا يوجد مبرر كافي لنموها بهذا الشكل، فهي قروض السيارات، والتي تنمو سنويا بحوالي 10.6%، وهنا لنا عدة وقفات :
أولا: في عام 2016 ومع تبني الدولة لسياسة الترشيد فضلاً عن هدوء النشاط الاقتصادي، تراجعت القروض العقارية من 37 مليار ريال في 2015 إلى 29 مليار ريال، وفي نفس العام حققت قروض السيارات ارتفاعا من 29 مليار ريال في 2015 إلى 33 مليار ريال تقريبا في 2016، فهل الأفراد في حاجة ماسة للسيارات بهذا الشكل، وهل الاقتراض في حقيقته اقتراض سيارات أم أنه اقتراض سيولة ولكن في شكل سيارات؟
ثانيا: أن السيارات ليست هي النمط الأعلى ضرورة للأفراد، ولكنها تمتلك مزايا الاقتراض المناسبة، حيث يمكن اقتراض قيمة عالية في شكل سيارة وأيضا اقتراض سهل ومضمون لأنه يتم في شكل تأجير منتهي بالتمليك.
ثالثا: الميزة الأهم لقروض السيارات هي امكانية تسييلها أو حرقها بسهولة، وهنا التساؤل، لماذا لا يتم مراجعة نظام التمويل وإكسابه سهولة ومرونة تمنع حرق السلع والخسائر الكبيرة، والبحث عن مزايا وتيسيرات توازي تلك التي يمتلكها تمويل السيارات؟.
وإذا كانت قروض السيارات القائمة تبلغ حوالي 33 مليار ريال، وإذا افترضنا أن متوسط قيمة القرض الواحد هو 50 ألف ريال، فإن عدد المقترضين يقدر بنحو 658 ألف مقترض، وإذا افترضنا أن قرض السيارة يتم تغطيته خلال خمس سنوات، فإن هذه القيمة يتم تجديدها كل 5 سنوات.
أما الشكل الثاني الذي انتشر وبكثافة وبات نمطا اقراضيا رئيسيا فهو البطاقات الائتمانية، والتي هي أحد أنواع التيسير لاتمام المشتريات وليس اقراضا، فقد وصلت قيمة قروضها القائمة في نهاية 2016 إلى 11 مليار ريال، وهي قيمة مرتفعة، ويمكن تفسيرها بأن هذه البطاقات باتت قروضا للسيولة أيضا، حيث إن كثيرا من الأفراد يحتفظ بواحدة واثنتين وثلاث بطاقات للحصول على السيولة وليس لتسهيل الشراء، وهي أيضا تتعرض للحرق من خلال تسييلها بخسارة أو بدون خسارة لدى أي محل أو معرض للسيارات أو للذهب أو حتى في السوبر ماركت، فالتسييل الشرائي لا يعرض صاحب البطاقة لدفع رسوم عالية للسحب النقدي، وهو أمر يحتاج أيضا لمراجعة، نظرا لارتفاع رسوم وفوائد البطاقات الائتمانية كثيرا عن القروض الاستهلاكية الأخرى، فالفائدة تحسب باليوم وليس بالسنة، ويحتاج هذا الأمر لتوعية وتثقيف مكثف لتعريف الجمهور العادي بحجم التكاليف المرتفعة لهذا الشكل الاقراضي والابقاء عليه.