د. صالح بن سعد اللحيدان
(الجزء الأول)
وُضعت اللغة على أساس نسقي مطرد؛ وذلك لتفسير المفردات الواردة في الكتاب والسنة، تلك التي يعجز عنها العامي من الناس والأمي، وإن كان من المدركين ذلك أن بعض المفردات تحتاج إلى زيادة فهم بجانب العمق الإدراكي لإخراج المعنى؛ ليقع المعنى على المراد من خلال النسق المتحد.
ولهذا تكون اللغة ودلالاتها من علوم الآلة، ومكان ذلك العقل وسعة أفقه قولاً واحداً.
والنحو طرداً أريد به إعراب الجمل والمفردات للدلالة على المعنى الذي ينشده المطلع والقارئ سيان.
والنحو لست بحاجة إلى تعريفه، ولا اللغة كذلك، لكنهما قطبا رحى، لا ينفك أحدهما عن الآخر، فضلاً عن أن النحو إنما جعل ليستدل به على الأحكام من خلال الكتاب والسنة، ويستدل به من خلال المعاجم (معاجم اللغة والبلدان والأماكن)، التي يستدل بها على المواضع وما تدل عليه.
من أجل ذلك فإنه يصعب القول على أحد أن يسمي أحداً بأنه عالم لغة أو عالم نحو ما لم يكن هذا أو ذاك لدى كل واحد منهما الاستعداد للفهم والإحاطة، وزيادة على ذلك عمق النظرة في كليهما. ومن فقد شيئاً من ذلك فإنما يعتبر من المجتهدين الذين يقع منهم ما يقع؛ ولهذا لما فقدت الأمة (حماد بن سلمة) الإمام المحدث شيخ مسلم والترمذي وابن ماجة، وشيخ أبي داود والنسائي.. لما فقدته توقف العلم إلى أن من الله على هذه الأمة بغيره من الكبار الذين نحوا نحوه.. في كل هذا أقول هذا بين يدي ما سوف أتحدث عنه في هذا المعجم المهم، الذي دعاني إليه ما يقع فيه بعض العلماء واللغويين، وما يقع فيه بعض المثقفين والشعراء.
وهذا سببه الغموض الذي يكتنف الفعل المضارع ونواصبه، ولاسيما الحرف (أن)، فأبين هنا أن الفعل المضارع عند صناع النحو.. أن الفعل المستمر من فاعله حاضراً ومستقبلاً بالقيام به، وذلك نحو (يكتب ويعمل)، وهكذا كل فعل يشابه هذا أو ذاك، ولكن هذا الفعل له من النواصب من الأدوات ما تحيل رفع آخره إلى النصب، وهذه النواصب لا شك أنها معروفة من حال النحو وجريان القول عليه بالضرورة إلا أن الذي أحببت ذكره هنا بعد تمحيص وتدبر واطلاع على عامة كتب النحو وما طرحه علماء الحديث الذين كتبوا في اللغة والنحو كالإمام النووي والعيني وابن حجر وابن رجب وسواهم خلق لا يحصون.. الذي أحببت ذكره أن هناك حرفاً من حروف النصب يحتاج أمره إلى بيان.
ولست أزعم أنني من بكر إلى هذا أو بينه، لكنني أشد بالقلم أن هذا الحرف قد يفوت فهمه ودلالته على كثيرين.
من أجل ذلك أكتب حوله مختصراً القول من باب بيان عظم هذه اللغة وسياسة نسق تراميها للدلالة على المعاني من خلال الطرح السياقي.
وهذا الحرف هو (أن)، وهذا الحرف له ميزة من بين سائر حروف النصب السابقة للفعل المضارع؛ فهو ذو امتياز على غيره بما يأتي:
1- أنه يعمل ظاهراً، وهذا لا يحتاج إلى بيان لاطراد فهمه لدى الجلة من العلماء واللغويين، وهذا نحو (يعز علي أن تمشي بالنميمة)؛ فإن هنا ظاهره وقد نصبت الفعل (تمشي) بفتحه فوق الياء. وقس على هذا، وهو شائع في اللغة.
2- لكن الإشكال الذي أرمي إليه هو غموض عمل أن في القسم الثاني، وهي أنها تعمل من باب الجواز لا من باب الإيجاب، وذلك نحو (سافرت معك لأربح)؛ فهي هنا تكون أعني أن من باب الجواز؛ وذلك لدلالة المعنى عليها، والأصل تحريراً (سافرت معك لأن أربح).
واللام في (لأن) حرف جر، لكنها في معنى التعليل، وهذا واضح من السياق ومن نسق الطرح الدال على المعنى من وجه قريب.
وسواء كانت حرف جر أو تعليل فإن هذا واضح من خلال الطرح.