لعل أهم ما يميز هذا الكتاب عن غيره من كثير من الكتب الأخرى المتنوعة في مادتها ومحتواها هو ما اتسم به من أصالة الفكرة وجدتها, وطرافة الموضوع, وظرف المحتوى.
وقد كان - في الأصل - عبارة عن بحث علمي تحت عنوان (القصص: رؤية جديدة لتوظيفها لدى المديرين كوسيلة لنقل المعرفة والتعلم من التجارب) تقدم به الباحث للمؤتمر العربي السنوي العاشر المقام حول موضوع (الإدارة العربية ومقاربات الجودة والعالمية والريادة والشراكة والتنافسية) المنعقد بمدينة القاهرة بإشراف المنظمة العربية للتنمية الإدارية في أغسطس عام 2009 للميلاد.
وقد فاز هذا البحث بالمركز الأول على الأبحاث المقدمة للمؤتمر بعد تحكيمه من قبل اللجنة العلمية المختصة.
ومن ثم قام الباحث بطباعة هذا البحث ونشره على شكل كتاب, هو هذا الكتاب الموجود بين أيدينا الآن.
وقد تطرق المؤلف الى (القصة) وتعريفاتها العامة واصطلاحاتها , وإلى (الفن القصصي) وتقنياته المتعددة وأساليبه المتنوعة, وعن أهمية هذا الفن في حياة الناس وتأثيره على المجتمعات البشرية قديما وحديثا منذ أن عرفه الإنسان.
ثم إنه قد استعرض في المقدمة مفهوم القصة لغةً واصطلاحاً, ثم مفهوم القصة في الأدب, وأنواعها, وعناصر فن القصة ومقوماته.
وتحت عنوان فرعي هو (القصص وبداية الوجود الإنساني) يرد قول الباحث أو المؤلف:
(بدأت القصة مع بداية وجود الإنسان على كوكب الأرض, ومن خلال بحثه عن تفسير لمعنى الحياة ومعرفة سبب وجوده فيها. وهكذا بدأ الإنسان يجمع بعض الأخبار الصادقة - حسب ظنه - عن نفسه وعن غيره والأشياء المحيطة به , ثم بدأ يقصها على الآخرين لكي تنتقل إليهم المعرفة والخبرة.
والإنسان الأول عندما بدأ حياته الأولى على الأرض بحواسه الكاملة كان يروي الأخبار الصادقة من واقع الأحداث التي كان يعيشها في حياته.
فعندما كان يخرج لجمع الغذاء من الغابة أو مطاردة الصيد عند الأنهار والبحار - قبل عصر الرعي - كان يختزن بذاكرته كل مشاهداته خلال تلك الرحلات المثيرة. وعندما يعود الإنسان الصائد بعد جمع الغذاء إلى مأواه بين زوجته وأولاده وإخوانه وجماعته كان يروي لهم قصص معاناته لكي يتعلموا منها ما يبعث في نفوسهم البهجة أو يولد عندهم الحذر أو ما يضيف إلى معرفتهم المزيد من الخبرة. ثم تطورت معارف ومهارات الإنسان عبر الأزمنة المختلفة إلى أن أصبح قادراً على الكتابة والتعبير عما يدور في ذهنه من خلال اللغة الناقلة للمعاني المفيدة).
وهكذا دواليك يستمر المؤلف بحديثه حول هذا الموضوع قائلا:
(وسيستمر البشر في سرد القصص لبعضهم البعض - بهدف - نقل تجاربهم وخبراتهم ومعارفهم وأحاسيسهم ومعاناتهم - ما دامت الحياة مستمرة على الأرض. ولن تختفي القصص من حياتنا إلا بنهاية الحياة وفناء الإنسان). انتهى كلامه.
ويتضح لقراء هذا الكتاب ثقافة مؤلفه الواسعة في عدة حقول معرفية وتبحره فيها , ويأتي على رأسها علوم اللغة والأدب, بالإضافة إلى إلمامه الواسع بالعلوم الأخرى ذات العلاقة , كعلم الاجتماع وعلم النفس وعلم الآثار, وما يلحق بها من علوم الدراسات الإنسانية كتراث الأمم والشعوب وموروثها الثقافي والفكري والحضاري من قيم وأفكار وقصص وحكايات وأساطير وغيرها.
وهذا مما جعل الكتاب غنيا بمعارف إنسانية شتى, تم جمعها في كتاب واحد , يحدد العلاقات القائمة بينها, ويرسم حدودها.
وأقل ما يمكن أن أصف به هذا العمل انه مجهود علمي فردي متميز, متنوّع المجالات, ومتعدد المعارف, حتى بدا لنا وكأنه مجموعة من الكتب في كتاب واحد, اتسم بشمولية مادته, واتساع أفق رؤية مؤلفه ,وعمق الطرح العلمي المبني على أسس منهجية تنبئ عن مقدرة الباحث أو المؤلف الفائقة بكل ما له صلة بموضوع بحثه هذا , وتدعيمها بالمصادر والمراجع التي تزيدها قوة ورسوخا ووضوحا في ذهن القراء وتثريها بالمزيد من المعارف المفيدة لإنسان هذا العصر .
يضاف إلى ذلك ما اتسم به المؤلف من سلاسة الأسلوب, وبساطة العرض , وسهولة التعبير ووضوحه, متوخيا أثناء ذلك كله إيصال فكرة الكتاب ومادته وموضوعه الذي يتحدث عنه بسهولة ويسر للقارئ , ومن أسهل الطرق وأقربها إلى ذهنه وقلبه ومشاعره وأحاسيسه ,بكل موضوعية وتجرد.
عرض وتحليل/ حمد حميد الرشيدي