بدأتني بحيرة، وانتهيتَ منِّي بخوف!
لا يهمني كيف انتهى بي الأمر معك، فقد روّضت نفسي على الفقد الرحيم.
كلّ الذين اختاروا حياتهم بعيدًا عنّي رحلوا بهدوء.
كما أنّ كلّ الذين اخترت حياتي بعيدًا عنهم رحلت عنهم بهدوء.
لا أتذكر أنني صنعت مراسم للتأبين والوداع.
أقصى ما كنت أفعله أن أصمت ويُرتِّبُ كلّ شيء نفسه حتى بوابات النهاية.
استيقظتُ اليوم تقودني رغبة لطيفة:
أن أزرع على نوافذك المغلقة حروفًا دافئة وضّاءة.
إذا وجدتها لا تخف، ولا تقتل سحرها بتفسير النوايا.
أنا امرأة وفيّة لكل الأشياء التي غادرتها وغادرتني.
تمامًا (كمقبرة قوقل الإلكترونيّة)، تلك التي هُيئتْ للبرامج التي لم تعد على قيد الحياة.
هل تصدق أنني كنت أزور تلك المقبرة, وأضع ورودًا كلّ شهر على مقابر برامجي القديمة التي ألغت قوقل وجودها؟!
لم أتوقف عن فعل ذلك إلا بعد أن علمت أن هذه المقبرة قام بإنشائها أحد موظفي شركة مايكروسوفت ليسخر من قوقل.
يومها حزنتُ كثيرًا؛ لبشاعة ما فعل!
كيف يسخر من برامج رحلت, فقط من أجل تصفية حسابات إنسانيّة بغيضة، دون أن يعمل حسابًا لمشاعرها؟!
أظنك لا تحتاج إلى مزيد من الشرح عن وجهة نظري في الجمادات، ويقيني الخاصّ بأنّها تُحِسُ، وتتألم مثلنا.
ربما ستسخر من هذه القناعة عندي!
لا بأس!
لو كنتَ أمامي الآن لصدّقت ذلك!
كنتَ سترى الحقائق ترقصُ في عيني.
سترى كم كنتُ واضحةً.. بسيطة.. سهلة الهضم، أمام رجل صعب المراس مثلك.
قاومتُ عبثًا ألا أرسل لك، ولكن الخريف الواقف على الأبواب يفتح شهيتي؛ لتذكر حماقاتي التي أحبّها رغم هربي منها.
كلّما استرجعتها بيني وبيني شعرتُ بأنني ممتلئة بك.
هذا الامتلاء يغنيني عن طلب القرب منك من جديد.
أسكبه في موسيقى الصباح، وفتح النوافذ للحياة.
أشياء كثيرة صارت هي الصباح بعيدًا عنك.
ربما هكذا تكونُ الحياة عندما ترسم لنا طرق النّهايات بفلسفة مُرضِية.
إنّها تقنعني - دائمًا - بأنْ أراكَ واقفًا بعيدًا، وبخير، خيرٌ من ألا أراك أبدًا.
يا أنت!
كل هذه الثرثرة مفادها:
الفراقُ صعبٌ، وأنا امرأة تَخشى الوحدة، وتُتْعِبها المنَافي.
- د. زكية بنت محمد العتيبي