يقولُ الفيروز أبادي..
«سكن سكونًا قر، وسكنتهُ تسكينًا، وسكن دارهُ وأسكنها غيره، والاسم محركة، والسكنة كبشرى والمسكن فتكسر كافه مثل منزِل».(1)
مِنْ خلالِ ما سبق نجِدُ أنَّ السكن هو الأمر المستقر، أو الذي قرَّ، وعندما نقول المسكن فنحنُ نعني المكان الذي يأوي إليه الإنسان ليسكنَهُ، وعندما نقول جُعِلَ سكنًا أي وقت للراحة والنوم.
إنَّ السكون كمُفردةٍ تمْتدُّ إلى معارف مُختلفة فعلى سبيلِ ما نجِدُه عند أهل النحو والصرف والعروض، والفيزياء، وعلم الكلام، وغير ذلك.
يقول ابن حزم.. إنَّ طائفة مِنَ المتكلمين قالوا إنَّ العالم سكون لا حركةَ فيه، وحجتهم في ذلك وجود الأشياء ساكنة على اختلاف الأماكن التي توضَع فيها، وهذا القول منسوب إلى معمر بن عمروالعطار مولى بني سليم، وهو أحد رؤساء المعتزلة، وهناك طائفة تقولُ بعدم وجود سكون أصلاً، إنَّما حركة، وهذا القول يُنسَبُ إلى إبراهيم بن سيار النظام، وهناك طائفة أخرى مِنَ المُتكلمين نفت وجود السكون والحركة معًا وقالوا إنَّما يوجَد مُتحرِّك وساكن فقط، وهذا القول منسوب لأبي بكر بن كيسان الأصم.(2)
نلاحظُ مِنْ خلالِ ما سبقَ أنَّ السكون بوصفِها مُفردة وُجِدَتْ في سياق علمي لها أصل في أكثر العلوم تأثيرًا في الثقافة الإسلامية ألا وهو علم الكلام، وهذا يدعم محاولة إثبات وجود السكون في كثيرٍ مِنَ المعارف، والعلوم.
إنَّ أوَّل قوانين الحركة في مبادئ نيوتن يتحدَّدُ في أنَّ الجسم يبقى في حالة أو الحركة التي هو عليها ما لمْ تتدخَّلْ قوى خارجية تجبرُه على تغييرِ حالته، وأنشتاين يعتمدُ على المبدأ النيوتني الذي يُلغي أيَّ حركةٍ غير مُنتظمة، ونحن إذ نستدعي مُفردة السكون والحركة مِن عالمِ الفيزياء، وخصوصًا في المبدأ النيوتني؛ لكي نؤكِّدَ على أنَّ السكون يمتدُّ حتى إلى القوانين الفيزيائية.(3)
إنَّ مِنَ أهمِّ المرتكزات التي يقوم عليها الميزان الصرفي هيَ ترتيب المُتحركات والسواكن في الكلمة، وهذا الترتيب يكونُ وِفقَ طريقةٍ مُقعَّد لها، وأيضًا نجِدُ في علم الصرف أنَّ السكون رديف للحركةِ في تحديدِ ميزان الكلمة، وهذا يظهرُ عندما نقومُ بتقطيع الكلمة؛ لكي نُبيِّنَ وزنها.
أما في علم النحو فنجِدُ أنَّ السكون هو علامة إعراب، فعندما نقول.. لم يذهب الفتى إلى المدرسة، فإنَّ كلمة يذهب هيَ فعل مضارع مجزوم وعلامة جزمه السكون، والكلمة مجزومة بالأداة لمْ، وكذلك عندما نقول لشخصٍ معيَّن.. اكتُبْ فإنَّ هذا فعل أمر مبني على السكون، وهكذا نجِدُ أنَّ السكون ينتقلُ مِنْ علم الكلامِ إلى علم الفيزياء، إلى أنْ يصِلَ النحو والصرف، وهذا ما نحاول إثباتهُ بأنَّ السكون مُفردة لها امتداد في معارف مختلفة.
سوفَ أطرحُ في هذا السياق السؤال التالي.. هلْ السكون كلمة ترادف الاستقرار؟ وفي الحقيقة أنَّ الاستقرار يأتي تحت مُسمَّى السكون، إذ إنَّ السكون هو مُمتد إلى العلوم الطبيعية كالفيزياء، والعلوم النظرية، بل حتى في الإيقاع الموسيقي إذْ تتكوَّنُ نقرات الآلة مِنْ سكونٍ وحركة لتُحدِثَ الصوت المُنغَّم على آلة الموسيقى.
يرى الدكتور علوي الهاشمي أنَّ هناك قائمة بين الحركة والسكون، وقد قام باستخدام مصطلح السكون الأبدي الخالص الذي تنطلقُ مِنه حركة الإيقاع، وفي هذا الرأي للهاشمي نكتشف مركزية السكون في رسم إيقاع الشِعر، وهذا بالتأكيد ليس جديدًا بلْ يقوم التقطيع العروضي للشِعر على تراتبية الساكن والمتحرك.(4)
... ... ...
المراجع:
1. الفيروز أبادي القاموس المحيط، عنى به ورتبه وفصله:حسان عبدالمنان،د.ط(بيروت,بيت الافكار الدولية,2004م)828.
2. على بن أحمد بن حزم، الفصل في الملل والاهواء والنحل،الجزء الخامس.ط2القاهرة،مكتبة بن تيمية،1431هـ ـ 2010م55.56.
3. عبد القادر بشته، النسبية بين العالم والفلسفة، ط2الدار البيضاء,المركز الثقافي العربي,د.ت12.
4. علوي الهاشمي، فلسفة الإيقاع في الشعر العربي، ط1 بيروت، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 2006م58.
- راشد القثامي