كلما حاولت أن تعود إلينا بهجة العيد، المتعثرة ما بين وسيط ووسيلة بمختلف الصور والرموز التي ينسخ بعضها بعضاً، قلبنا لانتظار وصول تلك الصورة ظهر المجنّ إلى زمن الطيبين، ذاك الذي اجتمعت فيه البساطة بالسعادة بالضحكة الصادقة مع كل بارقة فرح، وكأننا بواقعنا اليوم ممتد إلى غير ذاك الزمن، الذي لم يكون يرى بعضنا فيه أن أبيضه ضدا لانسجام أسوده، وكأننا بمختلف ألوان مناسباتنا الحياتية التي نعيشها اليوم منشطرة إلى متضادين لا ثالث لهما، في حكم مطلق وانحياز اخترناه عندما تبنيناه باستهلاك وسائل رفاهيتنا التي أعادت هي الأخرى استهلاكنا من خلال القيم بطريقتها الآلية؛ إذ لم يكن الألماني يوهان غنتبرغ هو الذي أوجد برزخ قيم التضاد في حياة الشعوب، باختراع مطبعته في منتصف القرن الرابع عشر، إذ يحكى أنه عاش هو الآخر في أسى كبير، بعد أن طبع كتابهم المقدس، ونسي أن يكتب اسمه عليه!
إلا أن المفارقة الكبرى القيمية في حياة الشعوب، بدأت تحولاتها بعد أن حلت ذراع الآلة بدلاً من ذراع الإنسان، ما جعل الآلة منذ ذلك الزمن تواصل احتلال القيم الإنسانية جيلاً بعد جيل، فلا غرابة اليوم أن تتمكن الآلة في زمن الثورة التكنولوجية من احتلال أسماعنا وأبصارنا وأفئدتنا، بعد أن جعلتنا نسير بأيدينا إلى ما رتبته أولويات تطبيقاتها المختلفة لنا، متهاوية أمام مدها الإلكتروني كل الأسوار الاجتماعية، التي تحولت معها الجغرافيا الاجتماعية إلى موقع قصي في فضاء عنكبوتي تحول بيته «الافتراض» إلى أقوى البيوت، بعد أن جعل من بيوت المجتمعات حول العالم أوهن من بيت عنكبوت «الواقع» في وهن بنائه، وفي وهنه الأسري الموحش في عزلة ساكنه!
كل مناسبة تعيدنا إلى التفكير في قيمنا المهدرة عبر وسائل الاتصال، لكنها لما تحسم أينا افتراض .. وأيكم واقع!
- محمد المرزوقي