عمر آميرالاي صاحب مشروع أمة، وليس مشروع فردي، معتبراً أن السينما بطبيعتها وسيلة تخاطب الهوامش، مقدماً عبر أفلامه أفكار تستطيع أن تدركها الطبقة المهمشة، لتقوم بدورها الكوني؛ شهداءً على أنفسهم وعلى الناس.
رغم طول عمر السينما العربية تقريباً إلا أنها لم تقدم أفلاماً تقارع السينما الأجنبية، من أواخر الثلاثينات الميلادية حتى اليوم لم تتجاوز كونها أفلام الغرض منها المتعة الرخيصة وقتل الوقت، والأسباب كثيرة أهمها دور المثقفين العرب في التخلي عن السينما كفن أدبي تنطبق عليه كل النظريات النقدية بالتالي لم يتم تناول الأفلام العربية بجدية، ومن ناحية آخرى الإصطدام مع البيروقراطية الإدارية في الدعم، والإنتاج، والتوزيع، والعرض، والطلب، والسيطرة بشكل تام على الصناعة، حتى أصبح الاستقلال عن المؤسسة المنتجة أمر شبه مستحيل. لأن الأفلام بطبيعتها تجربية؛ أي تتطلب حرية في التفكير وعدم الخوف من الخروج عن الأطر التقليدية المتوارثة.
بين كل عقبات المنع، والسجن، والتهجير تأتي بعض التجارب السينمائية الأصيلة، وبشاعرية لاتقل روعة عن الشاعرية الأوروبية، سجلت السينما السورية بعض التجارب الإستثنائية، وخصوصاً عبر الأفلام الإبداعية والمتقنة التي قدمها المرحوم السوري عمر آميرالاي.
آميرالاي يؤمن بأن السينما تغيرنا، وتغير الحياة من حولنا، وقام فعلياً بتجربة ذلك عبر صناعة الأفلام الوثائقية، وهو رائد السينما الوثائقية العربية، و أول من تعامل مع الفيلم كوسيلة تعبيرية مؤثرة لمخاطبة الجماهير، دون أن يخشى، حتى تميز بمشاكسته الحادة للسلطة الاستبداية والقمعية في سوريا، فقط تم منع أفلامه عدة مرات، وتم حجزه، وايقافة، والتحقيق معه، ومصادرة أشرطة افلامه، وحتى محاولة نفيه.
مع بداية السبعينات قدم عمر آميرالاي فيلم «الحياة اليومية في قرية سورية»، ويعتبر تجربة ناجحة على كل المقاييس، حتى أن الكتب الأجنية التي تؤرخ السينما تستشهد بإستثنائية هذا العمل في الشكل والمحتوى؛ بصرياً باللقطات الحقيقة المؤثرة، وسمعياً باستخدام أسلوب فريد يحتوي موسيقى شعبية بصوت الربابة تتناغم مع اللقطات المعروضة، وموضوعياً حيث إنه يسجل دراسة اجتماعية انثروبولوجية عن حياة سكان القرى والريف في سوريا.
على مستوى يبعث في النفس نوعاً من الدهشة، يتميز الفيلم سردياً بحبكة معقدة، كما أنه يقدم نموذجا على «فيلم داخل فيلم»، وهذا النمط قليل استخدامه لصعوبة إتقانه، في إحدى لقطات الفيلم نشاهد رجلاً من الدولة يقوم بالتعريف بالسينما، ثم يقوم بعرض فيلم تعريفي للسياح الأجانب عن سوريا، نشاهد فيها الطبقة الثرية، المتأثرة بالغرب على أنغام موسيقى الجاز، وكأن هذا الفيلم المعروض يقدم للعالم صورة عن سوريا مختلفة عن صورة الريف، عن الفقر، والجوع، والمرض، و الموت.
وبعد فترة من عرض هذا الفيلم التعريفي ينتقل عمر آميرالاي في لقطة معاكسة تُركز على تعابير وجوه أبناء الريف، وهم يشاهدون فيلماً بإنسجام عميق لأول مرة في حياتهم، والمفارقة الذكية أنهم يشاهدون فيلماً عن سوريا، وهم سوريا.
آميرالاي تعامل مع أنماط وأنواع سينمائية مختلفة، و غير كثيراً في الأسلوب، إلا أنه لم يقدم سوى أفلام وثائقية، أبرزها: «الحب الموؤود» وهو دراسة نسوية بحتة حول أربع نماذج لأربع نساء من مصر. وفيلم «الرجل ذو النعل الذهبية» وفيه لقاء مع الحريري، في هذا الفيلم يظهر آميرالاي بنفسه وجهاً لوجه مع الحريري، ولكن ينتهي اللقاء بغضب ورحيل الحريري معترضاً على الفيلم، ومعاناة الفقراء ودور السلطة في الإهتمام بهم. والعديد من الأفلام الأخرى، آخرها طوفان بلاد البعث، وهو وثيقة سينمائية تاريخية عن حزب البعث.
يقول عمر آميرالاي مبرراً إختياره للنمط الوثائقي :» أنا لا أنتمي للسينما الروائية، ولا أفهم لماذا يخترع أحدهم قصة خيالية؟ ويطلب من الممثلين أن يتظاهروا بأنهم شخصيات خيالية؟ وصناعة ديكور؟ و أزياء؟ عندما تكون الحياة والذاكرة والتاريخ ممتلئة بالخيالات؛ بنسيج من الخيالات، كل ميدان، كل شارع، كل حي سكني، كل منزل، تم تصميمها بناء على خيال البشر، قبل أن يتم إنشاؤها تم تخيلها، لذا الفضاء المُتخيل موجود وعبر التحكم السينمائي بالإمكان السيطرة عليه... لقد وجدت أن الخيالات المصطنعة في الأفلام الروائية أقل شاعرية من الحياة العامة، الحقيقية، التي نشاهدها في الشوارع، والجسور، والبيوت الشعبية، وداخل العوائل البسيطة..»
عندما تشاهد فيلماً للمخرج عمر أميرالاي، تفهم موقفه من الأفلام الروائية، ولماذا اختار الأفلام الوثائقية كوسيلة وحيدة للتعبير؟ وبرع فيها؟
- حسن الحجيلي