سلمان بن محمد العُمري
بفعل المتغيّرات التي تحدث من عصر إلى عصر ومن مكانٍ إلى مكان، تراجعت الأوقاف الإسلامية عن أداء دورها الخيّر، بعدما تحول الموسرون والراغبون في الإنفاق عن فكرة الوقف إلى قنواتٍ أخرى كالصدقات أوالتبرع المباشر لجهة بعينها.
وكثير ممن تحولوا عن الوقف إلى غيره من أبواب الإنفاق برروا ذلك، بأنهم لا يرون أن بناء المساجد أو الجوامع أو المكتبات، يمثل حاجة ماسة للمجتمع، وان هناك حاجات أكثر أهمية، وأولى في الوقت الراهن، مثل علاج المرضى أو تشغيل الشباب العاطلين أو مواجهة الفكر الضال الذي يروج له المتطرفون الجاهلون بحقيقة الإسلام السمحة.
ومن هذا المنطلق فنحن نحتاج لتغيير بعض الثقافات السلبية المتعمّقة عند بعض أفراد المجتمع العربي عامة والسعودي خاصة؛ ففي أحسن الأحوال نجد أنّ كثيراً ممّن يعرفون أهمية الوقف ومكانته في الإسلام، يظنّون أنّه مقصور على مجالات بعينها، ولا يمتد لغيرها من مجالات الخير التي قد تمثّل ضرورة للمجتمع المسلم، وخلاصة القول إن غياب ثقافة «الوقف»، ولا سيّما لدى الأجيال الجديدة من الناشئة والشباب، هو ما يفسّر انحسار الأوقاف حالياً، وتراجع إسهاماتها في خدمة المجتمع وتنميته، وإذا كنّا نتطلّع لإحياء سنة الوقف وانتظار مآل أفضل لها، فلا بد من نشر هذه الثقافة الغائبة، وتبسيط معارفها لدى الناشئة والشباب بنفس درجة الاهتمام بتبسيط إجراءات الوقف وإجازته، وتوفير كل ما يلزم لتنميته واستثماره، فتنمية المعارف بأهمية الوقف هي الخطوة الأولى لتنمية الأوقاف، ولا تتحقّق تنمية أموال الوقف بحال من الأحوال قبل تنمية معارفه، فالإنسان عدو ما جهل، وإذا كان الناس لا يعرفون أهمية الأوقاف، ولا يدركون دورها في التنمية فلا تستغرب عدم تفاعلهم مع ما يُطرح من دعايات للاهتمام به ممّا يؤكّد أهمّيّة وضع برامج ميسّرة للتوعية بأهمية الأوقاف: علمية وإعلامية وخطابية ودعوية وحاسوبية.
لا شك أن مثل هذا الطرح جديرٌ بالتأمل ويتطلب بحث الحاجات الملحّة للمجتمع، وكيفية تفعيل دور الوقف في التعامل معها وإيجاد الوسائل والآليات، التي تحقق تطلعات الراغبين في الوقف لخدمة المجتمع وعلاج قضاياه الأكثر أهمية، والتي تتغير من حين لآخر ومن مكان لآخر.
إن النتائج العظيمة والثمار الطيبة التي تحققت للأمة من الأوقاف في عصور ماضية لجديرة بأن تدفعنا لأن ننظر لهذه السنة نظرة عصرية، تمنح الأوقاف فاعليةً ودوراً في دعم مسيرة التنمية، وأن الجميع ليتطلّع للهيئة العامة للأوقاف للقيام بدورها الذي طال انتظاره، ورسم استراتيجية وخارطة طريق للعمل، ولعلّ أولى الخطوات الأساسية هي نشر ثقافة الوقف في المجتمع، مع يقيني أن ربط الهيئة مباشرة برئيس مجلس الوزراء، أو بالمجلس الاقتصادي لتحقق خيرا كثيرا ووفيرا.