حائل - خاص بـ«الجزيرة»:
نبه الدكتور أحمد بن جزاع الرضيمان أستاذ العقيدة والمذاهب المعاصرة ورئيس الأمن الفكري بجامعة حائل إلى أن الخطأ لا يعالج بخطأ، وأن استفزاز بعض المخالفين وتعديهم حدود الله بالافتراء والكذب، لا يسوغ لمن يرد عليهم أن يتعدى حدود الله بالكذب والتجني، وإنما عليه أن يضبط رده ويزنه بالعدل.
وأكّد الدكتور أحمد الرضيمان في حواره مع «الجزيرة» الاجتماع على ولي الأمر، والوقوف معه فيما يراه محققاً للمصالح، وهو مقتضى الأدلة الشرعية، وأما التخذيل والتثبيط والمنازعة فذلك سبب الفشل وذهاب الريح، مشيراً إلى أن الحزبيين لا يستغرب منهم الفجور في الخصومة.
وحذر د. الرضيمان من جماعة الإخوان باعتبارها جماعة حزبية سياسية فاسدة، لم تنتج إلا المصادمات والاعتقالات والاغتيالات، وهي الرحم الذي خرجت منه حركات العنف والغلو المعاصر. وفيما يلي نص الحوار:
* ما الطريقة المثلى في نظركم لموقف المؤمن من الأحداث والمستجدات؟
- الطريقة المثلى: هي تنفيذ قول النبي عليه الصلاة والسلام كما في صحيح البخاري: (تلزم جماعة المسلمين وإمامهم)، فذلك هو السور الذي من دخله كان من الناجين الآمنين، لقوله عليه الصلاة والسلام: (فإن دعوتهم تحيط من ورائهم) قال ابن القيم: هذا من أحسن الكلام وأوجزه وأفخمه معنى، شبه دعوة المسلمين بالسور والسياج المحيط بهم المانع من دخول عدوهم عليهم فتلك الدعوة التي هي دعوة الإسلام وهم داخلوها لما كانت سوراً وسياجاً عليهم أخبر أن من لزم جماعة المسلمين أحاطت به تلك الدعوة التي هي دعوة الإسلام كما أحاطت بهم، فالدعوة تجمع شمل الأمة وتلم شعثها وتحيط بها، فمن دخل في جماعتها أحاطت به وشملته)، وفي منصوص اعتقاد أهل السنة والجماعة قولهم: (ونرى الجماعة حقاً وصواباً، والفُرقة زيغاً وعذاباً، ولا نرى الخروج على أئمتنا وولاة أمورنا وإن جاروا وظلموا، ونرى طاعتهم من طاعة الله فريضة ما لم يأمروا بمعصية، وندعو لهم بالصلاح والمعافاة).
فالاجتماع على ولي الأمر، والوقوف معه فيما يراه محققاً للمصالح، هو مقتضى الأدلة الشرعية، وأما التخذيل والتثبيط والمنازعة فذلك سبب الفشل وذهاب الريح، كما قال تعالى: وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ .
وكما جاء في الحديث: (إنما يأكل الذئب من الغنم القاصية)، فكذلك العدو إنما يتسلط على القاصي عن جماعة المسلمين وإمامهم، ويهينه، ويجعله بوقاً له، ضد أهله وناسه ومجتمعه وإمامه.
* كيف يمكن مواجهة الأفكار الضالة، والجماعات والتيارات المنحرفة، والمواقف السلبية ضد الدين والوطن؟
- هذه الجماعات علاجها في نظري بتفكيك خطابها، لا بمصادمته، لأنها ليست على شيء، ولا تصمد أمام الحجج والبراهين، لمخالفتها العقل والنقل، وتفكيكها يجتثها ويزيلها. ويكون ذلك بعلم وعدل، لا بجهل وظلم، وتشفٍ.
وفي هذا يقول الله تعالى: {وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىَ فإذا كان الله تعالى أمرنا بالعدل، وبيَّن لنا أنه أقرب للتقوى، فلماذا التجني، من أراد بدعوته هداية المخالفين، فإنه يتكلم بعلم وعدل، ومن أراد أن يبقى المخالفون على مخالفاتهم، ويُكْثِر الخصوم، لكون رجوعهم إلى الحق، يُنهي دوره ومكانته، بصفته لا يعيش إلا في الصراعات، ولو انتهت لانتهى من الساحة، من كان كذلك فإنه يتكلم بظلم وجهل، وربما بهوى وفظاظة، وهؤلاء لن ينصروا ديناً، ولن يقيموا دنيا.
الحق ليس بحاجة إلى صخبٍ وضجيج، ودخولٍ في النوايا، وإنما يكفي عرض الحق بدليله، وبيان فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ.}
والخطأ لا يُعالَج بخطأ، واستفزاز بعض المخالفين وتعديهم حدود الله بالافتراء والكذب، لا يسوِّغ لمن يرد عليهم أن يتعدى حدود الله بالكذب والتجني، وإنما عليه أن يضبط رده، ويزنه بالعدل، فإن لم يستطع فعليه أن يدع هذه المهمة، وينصرف لمعالجة نفسه، وفي هذا يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: {وَأَنَا فِي سِعَةِ صَدْرٍ لِمَنْ يُخَالِفُنِي فَإِنَّهُ وَإِنْ تَعَدَّى حُدُودَ اللَّهِ فِيَّ بِتَكْفِيرِ أَوْ تَفْسِيقٍ أَوْ افْتِرَاءٍ أَوْ عَصَبِيَّةٍ جَاهِلِيَّةٍ، فَأَنَا لَا أَتَعَدَّى حُدُودَ اللَّهِ فِيهِ، بَلْ أَضْبُطُ مَا أَقُولُهُ وَأَفْعَلُهُ وَأَزِنُهُ بِمِيزَانِ الْعَدْلِ وَأَجْعَلُهُ مُؤْتَمًّا بِالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَهُ اللَّهُ وَجَعَلَهُ هُدًى لِلنَّاسِ حَاكِمًا فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ.}
* المتابع لما يعرض في بعض الصحف ووسائل التواصل يرى تشنجاً في المقالات والردود، ما سبب ذلك؟
- ما كان الرفق في شيء إلا زانه، وما كان العنف في شيء إلا شانه، فلا حاجة للتشنج والعنف، يجب أن يرد على الباطل ويدمغ بالحجج والبينات، بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ ، وربما من أسباب ذلك العنف الذي أشرتَ إليه: الرغبة في تصفية الحسابات عند بعض الناس، بأن يكون مبغضاً لأخيه الذي وقع في الخطأ، فلا يرده إلى الحق بحكمة ورفق، وإنما يفرح بخطئه، ليشنِّع عليه، ويشف قلبه، ظاناً أنه يفعل ذلك لله، وربما أن أعظم ما حركه غير ذلك، وقد أشار إلى ذلك شيخ الاسلام ابن تيمية -رحمه الله- فيمن ينكر على ولاة الأمور ما يراه منكراً زاعماً أن ذلك لله، والواقع أن الذي حركه طلب غرضه من المال، وأما إنكار المنكر فغطاء، يقول رحمه الله: (كثير ممن خرج على ولاة الأمر - أو أكثرهم - إنما خرج لينازعهم مع استئثارهم عليه ولم يصبروا على الاستئثار، ثم إنه يكون لولي الأمر ذنوب أخرى فيبقى بغضه لاستئثاره يُعظّم تلك السيئات، ويبقى المقاتل له ظاناً أنه يقاتله لئلا تكون فتنة ويكون الدين كله لله، ومن أعظم ما حركه عليه طلب غرضه، إما ولاية وإما مال، كما قال تعالى: {فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ.}
- وقد يكون للنشأة سبب في ذلك، فمن كان حزبياً لا يستغرب منه الفجور في الخصومة، وهكذا من عاش سيرته الأولى مع الحزبيين، ثم تركهم، فإنه لا يؤمن أن يكون فيه بقية من تلك الحزبية، فينقلها معه، وقد أشار إلى هذا الملحظ الإمام محمد بن عبدالوهاب -رحمه الله- فقال: (المنتقل من الباطل لا يؤمن أن يكون فيه بقية منه).
* ما رأيك في جماعة الأخوان المسلمين؟
- جماعة الأخوان، جماعة حزبية سياسية فاسدة، لم تنتج إلا المصادمات والاعتقالات والاغتيالات، وهي الرحم الذي خرجت منه حركات العنف والغلو المعاصر، لأنها هي بنفسها جماعة غلو، وتتخذ الدين وسيلة لمآرب سياسية، ونحن في هذه البلاد لسنا بحاجة إلى المعادلة العقيمة، كما سماها الأمير خالد الفيصل - وفقه الله - (إما الغلو وإما التغريب)، نحن على عقيدة صحيحة ولله الحمد، ونسير على منهج سلفنا الصالح، فكيف نستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير، هذه الحزبيات ما انتشرت في بلد إلا أفسدته، لأنها تخالف العقيدة الصحيحة، فولاءاتها لأحزابها، لا إلى إمام المسلمين في بلادنا، ثم هي تفتئت على إمام المسلمين في بياناتها ومواقفها، فلا خير فيها، فالواجب الحذر والتحذير منها ومن كل الأحزاب.