د. حامد بن مالح الشمري
الجميع يتفق بأنه لا يمكن اختزال مفهوم وأهداف السياحة في مثل هذه المهرجانات التي تقام هنا وهناك بعيداً عن تركيزها على فعاليات سياحية جاذبة ومبتكرة ومتنوعة ولها صفة الاستمرارية طوال فترة الصيف وبشكل يومي وتكثف أثناء عطلة الأسبوع وتنفذ في الغابات ومواقع الجذب السياحي وتتناسب مع ما يتوفر من مقومات ومزايا وبنية تحتية لمشروعات سياحية نوعية حسب تصنيفاتها المعروفة، إن ما نراه من مناشط سياحية في بعض مناطق بلادنا إن جاز التعبير لا تعدو مجرد فعاليات ترفيهية محدودة وذات طابع تجاري مع إضافة بعض الألعاب الشعبية والمناشط التقليدية المتقطعة وعلى فترات متباعدة، لا ننكر أن للمهرجانات السياحية بمفهومها الصحيح والتي تقام في مواقع سياحية (مواقع أثرية وتاريخية وشعبية وجبلية وغابات ومنتزهات ومواقع زراعية وريفية.. الخ) مع توفير الرحلات السياحية لها وتتوفر بها الخدمات التي ينشدها السائح لها دور فعال في جذب أعداد من السياح والزوار لها، مما يوفر تنوعاً سياحياً وعائداً اقتصادياً وقد نجحت جزئياً بعض المناطق في تحقيق ذلك.
لا يجب أن نزج بالسياحة في زاوية ضيقة وهي في واقع الأمر صناعة كبيرة ومتنوعة وتقوم عليها اقتصاديات دول وشعوب بأكملها متى توفر لها الدعم والإمكانات والكادر البشري المؤهل لإدارة البرامج السياحية وتوظيف المزايا والمقومات وإشراك أفراد المجتمع في صناعة السياحة مع توفير الدعم المالي المطلوب. قطاع السياحة يحتاج إلى عمل مؤسسي لتقديمها بشكلها الحقيقي من خلال تسخير وتوفير الإمكانيات وتخصيص المبالغ المالية اللازمة سوء الدعم الحكومي أو تسهيل إجراءات التمويل لإيجاد مشروعات سياحية وبإشراف ومتابعة لمجالس التنمية السياحية وفروع هيئة السياحة بالمناطق يوازي ذلك نشر ثقافة السياحة بمفهومها الشامل ومتطلباتها من المشروعات السياحة وبالتالي نحصل على منتج سياحي يثير الإعجاب وتكرار التجربة من جانب السائح وطول فترة بقائه عطفاً على ما يلمسه من تجهيزات وإمكانيات كبيرة تسخر لخدمة السياحة في تلك المواقع (قرى سياحية متكاملة - منتجعات سياحية - مراكز للاستشفاء - مدن ترفيهية - عروض متنوعة لتراث المملكة، قاعات للمعارض والمؤتمرات، متاحف وتراث، مولات كبيرة متعددة الأغراض، تلفريك يخدم عدد من المواقع السياحية... إلخ) وعلى أن تكون تلك المواقع ضمن منظومة سياحية (خارطة سياحية للمنطقة) مترابطة ومتاحة أمام السائح من خلال مراكز الإرشاد السياحي المطلوب تواجدها في كل مواقع للتعريف بالمواقع والفعاليات بالإضافة إلى توفر معلومات كافية عنها في الفنادق والشقق ومحلات تأجير السيارات ووكالات الرحلات والطيران.
إن السائح في العديد من الدول يتجول بخيارات متعددة ويرى أن كل موقع يزوره هو موقع سياحي مكتمل الخدمات، ولا أعلم لماذا تضيق رؤيتنا للسياحة ونجعلها في مهرجانات أشبه ما تكون بأسواق تجارية متنقلة وعلى هامشها تقام بعض المناشط الترفيهية المحدودة بهدف كسب زبائن لتلك المحلات التجارية دون أي مردود حقيقي على العملية السياحية أو حتى على مستوى الاقتصاد المحلي، حيث تنفق آلاف الملايين سنوياً على السياحة في الخارج وتجدهم في كل أصقاع الأرض، فهل من سبيل لأن يستفيد الوطن ولو بجزء مما ينفقه السائح السعودي في الخارج وهذا يحتاج أن تكون السياحة لدينا صناعة احترافية تنتج لنا العديد من الخدمات والمشروعات السياحية من قبل كافة صناع وشركاء السياحة عطفاً على ما تملكه مناطق بلادنا من مقومات سياحية متنوعة، تطوير السياحة يحتاج إلى جهود كبيرة لتوفير البنية التحتية التي تحتاج إليها المواقع السياحية ويحتاجها السائح مما يتطلب تخصيص مبالغ كافية في ميزانية هيئة السياحة والتراث الوطني وكذلك دعم بنود الجهات الخدمية الأخرى التي سوف تقوم على تنفيذ البنية التحتية للسياحة من كافة الجوانب بالإضافة إلى توفر التمويل اللازم من البنوك والصناديق ذات العلاقة للإقامة المشروعات السياحية الجاذبة وفق تسهيلات محفزة.
السياحة تشمل أيضاً وضع خيارات متعددة أمام السائح من الذهاب للمرتفعات الجبلية الباردة وتتوفر بها الخدمات السياحية وزيارة الغابات الطبيعية التي تتوفر بها المنتجعات المتكاملة والمتنزهات والحدائق وعلى سبيل المثال زيارة مزارع الرمان واللوز والمشمش والبن والمانجو وإنتاج العسل وتشجيع أصحابها على اقتناء بعض الحيوانات أو الطيور النادرة لجذب السائح وهي أيضاً فرصة لأصحاب تلك المزارع لتسويق منتجات مزارعهم من خلال التذوق والشراء، بالإضافة إيجاد حديقة نموذجية للزهور والنباتات العطرية وتجهيزها بالخدمات بما في ذلك مواقع مخصصة للأكل والشوي وملاعب للطائرة والسلة وكرة القدم والتصوير الفوتوغرافي والرسم والتلوين والملابس الشعبية والتقليدية للمنطقة لجعل السائح يقضي وقتاً جميلاً، بالإضافة إلى زيارة العيون الحارة والمواقع الأثرية والتاريخية والمطلات الجبلية مع ضرورة تفعيل سياحة الشواطئ والجزر وطرحها للاستثمار، ويتوجب تجهيز هذه المواقع بالبنية التحتية وتهيئتها وتنظيمها وطرحها للمستثمرين بما في ذلك توفر الوحدات السكنية اللائقة. ويجب الحرص على عرض ما تشتهر به كل منطقة من خلال الأسواق الشعبية التي تعرض من خلالها المشغولات اليدوية والحرفية المحلية ومهرجانات لمنتجات تتميز بها كل منطقة وكذلك مهرجان الأسر المنتجة وغير ذلك أو ما تزخر به المنطقة من متاحف ومعرض للصور الفوتوغرافية والفنون التشكيلية وهذا من خلال ما تتضمنه الخارطة السياحية لكل منطقة وبموجبها تحدد الجهات والمشاركات والمستهدفين وتوفر المعلومات وتحميلها على الأجهزة الذكية، ولكن لن يتحقق ذلك إلا من خلال الدعم المالي وتكامل جهود الدولة مع القطاع الخاص وأصحاب تلك المزارع والقرى التراثية والمتاحف وتقديم التسهيلات والاستشارات ونقل التجارب الناجحة وتوقيع شراكات مفيدة ومدعومة حتى يصبح لدينا سياحة متنوعة ذات مصدر جذب للسواح والمستثمرين، فعلى سبيل المثال المنطقة الجنوبية تشتهر بإنتاج الفل والكادي والبعيثران وغير ذلك من النباتات العطرية الجميلة وهو ما يشجع على إنشاء حديقة طبيعية لعرض هذه النباتات لتكون مقصداً دائماً ووجهة سياحية محفزة للسائحين وتجربة مهرجان الورد بالطائف وكذلك رالي حائل احد التجارب الناجحة ويجب التوسع في مثل هذه التجارب التي تجذب السائحين، عطفاً على ما تتميز به كل منطقة سواء في الإنتاج أو المواقع أو الأجواء وعلى مدار العام نجد أنلكثير من مناطق بلادنا بإمكانها أن توفر سياحة جاذبة، ويمكن تخصيص الكثير من المواقع السياحية لعرض تلك المنتوجات، بما في ذلك إبراز ما تشتهر به كل منطقة وتخصيص مواقع للتعريف بها وجعلها مقصداً للسائحين وإنني على يقين تام بأن كل منطقة من مناطق بلادنا يتوفر بها مواقع صالحة للاستثمار السياحي متى تمت تهيئتها بالخدمات الضرورية، مع الحاجة إلى وجود بعض الاستثناءات والتسهيلات للراغبين في الاستثمار السياحي.
نريد أن نخرج من المفهوم التقليدي السائد لدينا للتنشيط السياحي، فالسياحة لدينا معادلة وقتية طرفاها الترفيه المكرر المحدود والتسوق التجاري الربحي المحض، ولا شك أن ذلك لا يخدم السياحة ولا يمت لها بصلة. لا نريد أن يكون لدينا تناقض بين الترويج للسياحة وبين واقع الخدمات السياحية والضعف الكبير في البنية التحتية في المواقع السياحية والخدمات السياحية من مشروعات وسكن وخلافة، بل إن المتوفر منها تنقصها الكثير من الخدمات والبعض الآخر بمستوى ضعيف لا يعكس ما تتمتع به بلادنا من إمكانات. لدينا مواقع سياحية جيدة ولكنها غير مهيأة سياحياً وتفتقر لمتطلبات الجذب السياحي ومشروعات البنية التحتية بما في ذلك توفر الطرق الآمنة ومحطات وقود واستراحات على أعلى المواصفات على الطرق السريعة وبين المدن والمحافظات السياحية بالإضافة إلى توفر النشاط الترفيهي النوعي والسكن بكافة فئاته وبجودة عالية والمطاعم وغير ذلك.
الكثير من السائحين يبحثون عن المواقع الطبيعية الجميلة ذات المناخ المعتدل والأودية والغابات والمنتزهات والشواطئ والمعالم الأثرية والتراثية المكتملة الخدمات من سكن ومواصلات ومطاعم وبخيارات متعددة ومدن ترفيهية على مستوى عالمي مع وجود وسط للمدن السياحية والمحافظات ذات الطابع السياحي بحيث تتميز بتوفر الأجواء التجارية والترفيهية التي يبحث عنها السائح، مما يتطلب توجيه كافة الإمكانيات والجهود مع القطاع الخاص لتطوير وسط المدن السياحية وتوفير المشروعات السياحية النوعية والجاذبة وفق رؤى وخطط سياحية تركز على المناطق والمواقع الأكثر ملاءمة للتنمية السياحية المحفزة حسب أولوياتها وترتيبها من حيث الأهمية للسائح وقابليتها للتطوير السياحي وحتى يصبح لدينا منتج سياحي يستقطب السواح من خلال جودة وتنوع الخدمات السياحية المقدمة في مواقع متنوعة ومرتبطة ببعض، ولا شك أن من ركائز المنظومة السياحية في بلادنا أهمية تكامل الجهود بين المناطق السياحية خصوصاً بين مكة المكرمة والباحة وعسير وجازان، بحيث يكون هناك مسار سياحي يتضمن أهم المواقع السياحية التي يمكن زيارتها وتكون الصورة واضحة (الخارطة السياحة) أمام السائح كم ليلة سيقضيها في مكة والطائف والباحة وعسير وجازان، كما أنه يجب الاهتمام بالسياحة الزراعية خصوصاً في منطقة الباحة وعسير والطائف بحيث توظف المدرجات الزراعية ويتم إعادة تأهيلها بالزراعات التي تشتهر بها المنطقة مثل اللوز والرمان والمشمش والخوخ والتين والحمضيات ويتوفر في بعضها نزل بيئية وتكون أحد الخيارات من أمام السائح وهو ما يتطلب دعم أصحاب هذه المدرجات بالقروض والتسهيلات.
تطوير السياحة يحتاج إلى حزمة من الاستثناءات والإجراءات المبسطة التي تعمل على تنظيم وتطوير قطاع السياحة وبكافة مقوماتها ومتطلباتها الأساسية من جودة البنية التحتية للخدمات السياحية في جوانب بيئية وطبيعية وتراثية وترفيهية مع أهمية نشر الثقافة السياحية لدى القائمين على قطاع السياحة وكذلك لدى الأجهزة الخدمية الأخرى والمجتمع المحلي الذي يتعامل مع السائح. الهيئة العليا للسياحة ممثلة في مركز المعلومات والاتصال السياحي تقدم معلومات عن المواقع السياحية ولكن بمجرد ذهاب السائح لتلك المواقع لا يجد الحد الأدنى للخدمات التي يحتاج لها بالإضافة إلى أن المعلومات المقدمة غير كافية وغير دقيقة وهذا ما يؤكد الحاجة لأعمال مكثفة وجهود كبيرة تسبق الترويج للسياحة ومنح التراخيص لمنظمي الرحلات السياحية والمرشدين والتأشيرة السياحية وغير ذلك من الإجراءات التي سعت الهيئة إلى استكمالها -وهي أمور طيبة- إلا أن المطلوب إعداد وتجهيز وتهيئة المواقع السياحية بالخدمات والبنية التحتية للخدمات السياحية المطلوبة التي ينشدها السائح والزائر وبذلك يصبح لدينا سياحة داخلية ذات مردود اقتصادي حقيقي بدلاً من إعطاء أرقام وتوقعات غير دقيقة ولا تعبر عن واقع الحال للسياحة ومعوقاتها ومتطلباتها وبحجم ومردود السياحة في بلادنا مع ما ينفق على السياحة الخارجية ولها أسبابها ومبرراتها في ظل الوضع الراهن للسياحة في بلادنا.