زكية إبراهيم الحجي
ترتكز المبادئ التي بنيت عليها مفاهيم العلاقات الدولية عبر العالم على أسس احترام سيادة الدول وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لها، إلا أن ما يشهده العالم اليوم.. هو سيطرة المصالح على السلوك وسياسة الكيل بمكيالين وازدواجية المعايير والمواقف وممارسة الانتقائية من خلال الالتفاف على القوانين الدولية أو تعطيلها مما ولد كماً من اضطرابات وانقسامات لا تخلو من منازعات مسلحة وغير مسلحة في شتى أنحاء العالم.
وغني عن البيان بأن للعلاقات الدولية تاريخاً قديماً..بدأ منذ وجود الحاجة إلى التواصل والتفاعل بين المكونات البشرية.. ثم بين الوحدات السياسية التي لم تتأخر منذ ظهورها في البحث عن أسس وقواعد يستند عليها النظام العالمي لتنظيم العلاقات الدولية وفك النزاعات التي قد تنشأ بين دولة وأخرى.. لذلك نشأت مؤسسات وهيئات ومنظمات دولية تعني بهذا الشأن.. من هنا يمكن القول إن المجتمع الدولي وإن كان يتسم بشيء من التنظيم نظرياً من خلال وجود الهيئات والقوانين والأعراف الدولية إلا أنه ما زال يحتاج إلى الكثير من التنظيم على المستوى الواقعي والعملي، فثمة بون شاسع ما بين المنجز النصي والمنجز الواقعي مما سبب فوضى عارمة في ما بين بعض الدول تمثلت في إشكالية التنظير والممارسة الفعلية الناشئة من ازدواجية المواقف أو الانتقائية أو الالتفاف والتحايل على القوانين الدولية لتحقيق أهداف معينة لصالح طرف أو آخر.
يقولون الحاجة أم الاختراع.. فهل ظاهرة الازدواجية في المواقف السياسية والالتفاف على القوانين الدولية الذي برز على مسرح الأحداث هو نتاج ما فرضته ظروف ووقائع يمر بها عالم اليوم، وهل من يبدع وينجح في ذلك سيقف في يوم ما أمام لجان مساءلة ومحاكمة.. لطالما حكى التاريخ لنا أن شيئاً من ذلك لم يحدث.
الممارسة السياسية والنبل السياسي خطان متوازيان لا يمكن أن يلتقيا.. يُحكى عن تشرشل رئيس الوزراء البريطاني السابق أنه كان دائم التهكم والسخرية من أولئك الذين يربطون بين السياسة والأخلاق العامة.. قرأ ذات يوم عبارة كُتبت على قبر رجل ونص العبارة «هنا يرقد رجل نبيل وسياسي عظيم»، فعلق قائلاً: كيف يرقد رجلان في قبر لرجل واحد.
إن ما يجري من تفاقم للأزمات في أكثر من موقع من هذا العالم الذي لم يشهد سلاماً في يوم من الأيام يرجع سببه للازدواجية السياسية والانتقائية والالتفاف على القوانين الدولية والتي يتبعها بعض السياسيين في العالم، وهي بمنزلة ورقة توت ساترة.. إن سقطت فضحت.