أ.د.عثمان بن صالح العامر
كشفت الحملات المتتابعة التي تقوم بها الجهات الرقابية المختلفة، سواء الفرق الميدانية التابعة لوزارة التجارة والاستثمار، أو الصحة، أو الشئون البلدية والقروية، أو العمل والتنمية الاجتماعية، كشفت أن هناك صوراً وأحوالاً متعددة من الغش والتلاعب في السوق السعودي كانت بعيدة عن نظر الرقيب، ولا علم للمستهلك بها للأسف الشديد، مع أن البعض منها يشكل خطراً مباشراً يهدد صحته وسلامة جسد كل منا، والبعض الآخر فيه سرقة لأموال المستهلك من قِبل التاجر مع سبق الإصرار والترصد، والثالث والرابع ...، وقد رافق هذه الحملات المتميّزة ونشر أخبارها ورصد تحركاتها شباب مخلصون لهذا الوطن، استشعروا مسئوليتهم المباشرة عن نقل ما هو في السوق عبر سناباتهم المشهورة، وحساباتهم الشخصية في تويتر والفيس بوك ومدوناتهم الذاتية، من أجل أن يوصلوا رسالة وطنية صادقة ذات وجهين لعملة واحدة :
# البرهنة والدلالة على ما يبذله شبابنا السعودي من جهود ميدانية لحمايتنا من الغش بأنواعه وأشكاله المختلفة.
# التوعية والتثقيف للمواطن والمقيم بوجوب أخذ الحيطة والحذر في سلوكه الاقتصادي حين بيعه وشرائه وتعاملاته المالية صغيرة كانت أو كبيرة، فالغش لم يَعُد يقف عند حد، بل اتسعت دائرته وكثر متعاطوه، وتعددت أشكاله وألوانه في سوقنا المحلي للأسف الشديد.
إن من واجبنا جميعاً أن نثمّن للعاملين في الميدان جهودهم، ونشد على أيديهم، ونساندهم ونزجي لهم وللوزارات ذات الاختصاص جزيل الشكر والتقدير، وفي الوقت ذاته أرى أن يشارك القطاع الخاص في ضمان نزاهة السوق السعودي وحماية المواطن من جميع ألوان الغش وأنواعه، سواء أكان هذا الغش غشاً مباشراً في السلعة المعروضة والمسوّق لها، أم كان الغش في التلاعب بالأسعار أو بيع المقلّد على أنه ماركة أصلية، أو التدليس والخداع أو الغبن واستغلال جهل المستهلك أو ...، ويمكن أن يكون لكل لون من ألوان التجارة أو الصناعة شيخ معروف له معاونون في كل منطقة، تقع على هؤلاء أصحاب الصنف والخبرة والدراية المصطفين من قبل أمثالهم في سوقنا المحلي مسئولية مباشرة في حماية السوق من الغش، والتعاون مع الجهات الرقابية في تحقيق رسالتهم ذات الصلة المباشرة بحماية المستهلك، وهذا لون من ألوان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كما هو معلوم، ومتى تحقق هذا الأمر فستقل التجاوزات، وسيتلاشى التلاعب بالأسعار، وسينعكس هذا الإجراء على ثقة المواطن حين إبرامه تعاملاته الشخصية مع التاجر، خاصة حين يكون الطرف المتعامل امرأة قد يمنعها الحياء من إطالة الجدال والمماكسة في السعر والفحص والتدقيق وعقد المقارنة حين البيع والشراء؛ لأن الرقابة ستكون ذاتية من داخل منظومة العاملين في السوق.
أعرف أن بعض المهن كان لها شيوخ، وربما ما زال الحال على ما كان عليه، يُرجع لهم أحياناً في المسائل المستعصية والمشاكل الاستثنائية التي تقع بين أصحاب المهنة الواحدة، كشيخ الصاغة ، وشيخ الدلالين، وشيخ معارض السيارات و...، ولكن ما قصدته هنا أن يكونوا شركاء في هذه المهمة الوطنية ذات الصلة بكل منا، ويرجعون في توصيف مهامهم المنوطة بهم ومحددات صفاتهم وبيان حقوقهم وواجباتهم ليس إلى العرف فحسب، بل لابد أن تشترك الوزارات ذات العلاقة بحماية السوق والغرف التجارية الصناعية في صياغة وضبط محددات لائحة المهام، ومن ثم مراقبة التنفيذ، خاصة في ظل الاقتصاد المفتوح الذي أتاح للكل دخول السوق ومزاولة التجارة، والتواصل المباشر مع المصانع العالمية والاستيراد السريع من أقصى الشرق أو الغرب، والتسويق الذاتي عبر الوسائل التقليدية المعروفة أو الإلكترونية الحديثة التي تعد الأسرع والأخطر، ولو توج هذا الجهد الرقابي بشطب اسم الغاش من قائمة أصحاب المهنة وطرده من السوق السعودي بالكلية، لكان أقوى رادع وأكثر ضامن لسلامة أسواقنا من الغش والتلاعب، ويكفى أن أُذكِّر هنا بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من غشنا فليس منا) .. دمتم بسلام، وتقبلوا صادق الود والسلام.