لواء طيار ركن متقاعد عبدالله غانم القحطاني
نظم مركز الإعلام والدراسات العربية الروسية بمقره بالرياض بتاريخ 23 مايو 2017م حلقة نقاش ولقاء مفتوح مع السفير الجيبوتي بالمملكة ضياء الدين بامخرمة الذي تحدث من خلال إضاءات سريعة عن تاريخ بلاده وعلاقاتها بالجزيرة العربية وبمحيطها العربي والإفريقي، وعن أبرز ملامح تطورها الداخلي، وعلاقاتها الخارجية، مبيناً أن سقف التعاون مع المملكة ليس له حدود وأن جيبوتي تقف متضامنة مع المملكة بشكل كامل. وتفاصيل هذا اللقاء يصدرها المركز كالمعتاد بإشراف مديره العام الدكتور ماجد التركي، وهي متاحة للجميع.
وحقيقة أن بعض السفراء يضعون أوطانهم في مكانتها اللائقة بها أمام العالم، وفي المقابل هناك سفراء وخاصة من العرب وجودهم على رأس السفارات يقلل من مكانة وشأن أوطانهم لدى الغير، ناهيك عن مستوى ورداءة العمل والتمثيل الذي يقومون به!. وللحق فإن سفير جيبوتي بالمملكة السيد بامخرمة يُشَرف بلاده التي تستحق الاحترام. وخلال حديثه تشعر وكأنك تشاهد صورة بانورامية رائعة عن جيبوتي التي لا نعرفها عن قرب مع الأسف مع أنها تقع على مسافة أقل من ساعة طيران من جازان!.
وبالعودة إلى عنوان هذا المقال فإن الإرهاب الإيراني ضد بلادنا وكل البلدان العربية، وتهديدات إسرائيل الدائمة، ومن ثم قيام معركة عاصفة الحزم ضد إيران في اليمن وقبل ذلك وبعده غدر وتآمر حكومة قطر لجيرانهم منذ عام 1995م، جميعها تؤكد وبشكل قاطع أن جمهورية جيبوتي بأهمية موقعها الجغرافي وبمواقفها السياسية الثابتة إضافة إلى حجم الاهتمام الدولي بها، تؤكد أن هذه الدولة يُفترض أن يكون لها مكان أو علاقة استثنائية بأي شكل بمنظومة مجلس التعاون الخليجي أو بأي صفة أخرى تجعلها ضمن إطار هذا المجلس. فهذه الدولة كان بإمكانها الانسياق خلف من لا يريدون الخير للعرب ولا للإسلام كإيران وإسرائيل أو أي حكومة تخريبية كحكومة قطر الحالية بقيادة تميم ووالده من قبله، ولكنها دولة محترمة وقفت منذ زمن بعيد مع الحق متضامنة مع أشقائها في المملكة ودول الجزيرة العربية، وهذه المواقف المُشَرفة تدل على ثبات في المواقف المبدئية ونضج سياسي وبعد نظر.
وكل هذا بلا شك كان نتيجة لحجم ومستوى الدعم والمحبة والاهتمام السعودي بشعب وحكومة جيبوتي الشقيقة.
ولكن لماذا تتطلب المرحلة أن تصبح هذه الدولة الواقعة بشرق إفريقيا بأي صفة ممكنة مرتبطة مجلس التعاون الخليجي بغرب آسيا؟ والجواب يمكن أن يكون على شكل عدة نقاط هامة وهي:
1- جيبوتي من موقعها الإستراتيجي بقارة إفريقيا تُشرف مع اليمن على مضيق باب المندب وخليج عدن الذي أصبح مطمعاً أكثر من ذي قبل لإيران وإسرائيل وحكومات تخريبية بالمنطقة، ولعصابات مسلحة، ولقراصنة البحر والمهربين والإرهابيين، وسيبقى الوضع كذلك طويلاً.
2- الدول الكبرى أصبح لها تواجد مباشر عسكري واقتصادي وثقافي متعاظم على أرض جيبوتي. فهناك أمريكا، فرنسا، الصين، واليابان، وتواجدهم دون أن يكون لنا حضور فاعل ومؤثر بجانبهم يعتبر تفريطاً يصل إلى حد التقصير وقد لا يجدي معه المجيء المتأخر.
3- جيبوتي دولة صغيرة المساحة قليلة السكان، ولكن خلفها تقع دولة إفريقية تاريخية كُبرى هي إثيوبيا بعدد سكان يقترب من المائة مليون نسمة، وتنبع من هضابها مصادر النيل المائية، وجيبوتي هي رئة إثيوبيا البحرية الوحيدة حالياً التي تتنفس من خلالها على البحر الأحمر وإلى العالم. وتواجدنا المدني والعسكري مع الاقتصادي والثقافي والديني على أرض الشقيقة جيبوتي سيحقق للجميع مصالح سعودية وخليجية وجيبوتية مهمة في القارة الإفريقية عبر إثيوبيا.
3- جيبوتي دولة عربية ودينها هو الإسلام الوسطي المعتدل وثقافتها تزداد اقتراباً كل يوم من الثقافة العربية الأصلية في الجزيرة العربية بخليجها العربي. (جيبوتي قوانينها تُجرم التشيع المذهبي) وأجيالها الناشئة جميعهم يتقنون اللغة العربية..
4- جيبوتي دون أن تصرح هي لا ترغب أن يتواجد على أراضيها أي بلد إسلامي غير دول شبه الجزيرة العربية وفي مقدمتهم المملكة.
5- جيبوتي أصبحت تتفاعل سريعاً مع كل القضايا التي تهم دول مجلس التعاون واليمن وأمنها القومي.
6- جيبوتي ترحب بأي تواجد عسكري سعودي ومن دول مجلس التعاون على أراضيها ليخدم السلم والأمن في خليج عدن وباب المندب ودول البحر الأحمر.
7- جيبوتي تتطلع إلى بناء جيشها بعقيدة ومنهجية وتدريب وسياسة القوات المسلحة السعودية، وترحب بوجود المدربين والمخططين وأصحاب الفكر العسكري من المملكة ليصبح جيشها متناغماً مع جيوشنا. (لدينا الآفة من الرجال المتقاعدين الْأَكْفَاءْ القادرين والمُدَرَبِيّْن سلفاً لعشرات السنين وبمليارات الريالات، وجيبوتي العربية تستحق أن تكون الصِّنْوُ لجيوشنا ولمجتمعاتنا السعودية الخليجية.
8- تواجدنا بكل الأشكال والأبعاد المختلفة والمثمرة مع أشقائنا الجيبوتيين على أرضهم سيجعل من هذا البلد الشقيق منارة سلام وأمن للجميع وستزول بالتدريج الخلافات فيما بين جيبوتي وبين البلد الآخر المؤثر وهي إريتريا، وليس هذا فحسب بل قد تصبح إريتريا نفسها ضمن الحلفاء الحقيقيين لنا جميعاً، وقد تصبح ضمن دول الجامعة العربية، وهذا مؤسف أنه لم يحدث حتى الآن لتصبح إريتريا إلى مواقفنا أقرب مما هي الآن.
هل بقي شيء مهم يحفزنا للتواجد سريعاً وبفاعلية للعمل الجاد بالتواجد على أرض جيبوتي بموقعها الجيوسياسي والاقتصادي والأمني المؤثر على أمن البحر الأحمر وباب المندب والقرن الإفريقي؟.. نعم يوجد كذلك، فبعد أن يتم طرد ميليشيا الحوثي التابعة لإيران عن حكم اليمن وعودة الشرعية سيكون اليمن بالنتيجة ضمن الاهتمام المباشر القوي والدائم لدول المجلس وخاصة المملكة أكثر من أي وقت مضى، وسيكون مضيق باب المندب من جهة اليمن موقع يحتاج إلى تقنيات ومعدات وعقول وقوات وتشغيل واستثمارات سعودية وخليجية أو هكذا يجب، واليمنيين هم الذين بحاجة لذلك كما الجميع. وهذا يعني أهمية التأثير بالتواجد المباشر بالتنسيق مع الأشقاء في الطرفين الآسيوي والإفريقي لتحقيق جهوزية عالية تقنية وأمنية على المضيق من الجهتين لمساندة البلدين لتأمين حركة الملاحة هناك ولإبعاد ومنع الغزاة والطامعين والإرهابيين والمخربين من التأثير على المضيق والملاحة وعلى الأمن الوطني للجميع.
وبالمناسبة لن يكون لجيبوتي بحجمها الطبيعي تأثير سلبي على سياسة وقرارات وإستراتيجيات مجلس التعاون في حال ربطها بأي صفة بل العكس صحيح. وقد يكون الخيار الأفضل من ذلك هو قيام تعاون واسع وبشكل ما يجمع المملكة ودول خليجية أخرى وجيبوتي!. لِمَ لا؟!. هذا سيحقق مكاسب إستراتيجية كبرى ويقطع الطريق على الآخرين الأشرار في ظل متغيرات قادمة.
أخيراً فإن عدم تواجدنا عسكرياً وأمنياً مع أشقائنا بجيبوتي في وقت قريب وعدم بناء جيشهم بمساعدتنا من خلال رجالنا وعقائدنا العسكرية، وعدم تأصيل ودمج عروبتنا ولغتنا وثقافتنا ومعتقدنا الوسطي السمح مع أهل جيبوتي العربية على أرضهم، وعدم وجود رابط تفضيلي على الأقل لجيبوتي بمجلس التعاون الخليجي، أو قيام اتحاد أو تعاون ما، كل ذلك سيقول لأجيالنا من بعدنا أن أسلافكم فرطوا بجيبوتي فاستغل ذلك أعداؤكم فألحقوا الضرر بكم وبجيبوتي وبدينكم وأمنكم وثقافتكم ومصالحكم جميعاً.