بعد ما شاب راح للكتاب، بعد ما شاب ودّوه ع الكتّاب، عكب ماشاب ودوه الكتاب، بعد ما شاب ذهبوا به إلى الكتاب هذا الاختلاف في النص لا يغّير المضمون فهذا الاختلاف يتماشى مع اختلاف اللهجات العامية في الدول العربية وهذا يدل على عمق الثقافة العربية والتواصل بين المجتمعات القديمة. هذا المثل رغم اختلافه في النص فهو يهدف في الدرجة الأولى إلى التعليم في الكبر عند الكتّاب، والكتّاب مكان تعليم القراءة والكتابة عند الأطفال هذا في القديم ربما قبل ستة عقود أو أكثر. أحقاً هذا المثل المُحبط يطبق في وقتنا الحالي أم أنه انتهى ولمْ يعد له مكان.
شخصيا وربما أكون مُخطئا من وجهة البعض هذا المثلْ لمْ يعد له مكان، اليوم نحن في عصر الحاسب الآلي ومواقع التواصل الاجتماعي والتعلم عن بعد والسماع من الآخرين والاستفادة من العلم والعلماء فهل يعتبر البعض الدّراسة حِكراً على الصغار دون الكِبار. هناك من الناس من غزا الشيب رأسه ولمْ يتعلم في الجامعات بل تعلم من جامعة الحياة مقررات الجامعة متنوعة فهي تتماشى مع كافة أطياف البشر ودياناتهم وأصولهم وألوانهم، مقررات الجامعة تغوص في النفس البشرية، مقررات موحدة لكنها تختلف بلغتها وأسلوب تعلمها ومدة سنوات الدراسة. في جامعة الحياة، يتعلم الإنسان أن كل عثرة يوجهها في طريق مؤلم تجعله يعرف أسرار الطرق القادمة مهما تشعّبَت. هناك في الحياة عظماء تركوا أثراً طيباً بعد مماتهم لم يتخرجوا من الجامعات التقليدية بل من جامعة الحياة. وميزة جامعة الحياة أنها تقبل الإنسان الطالب والطالبة مهما كان عمره دون شروط ولا موافقات. للأسف يصفون الإنسان الذي لم يتخرج من جامعة الحياة بأنه أمي (كل فرد بلغ الثانية عشرة من عمره ولا يلم إلماماً كاملاً بمبادئ القراءة والكتابة) ليس هناك أمي في الحياة إذا تعلم ودرس في جامعة الحياة التي تعطي دون مقابل وتوصيات.
والدي رحمة الله وأسكنه فسيح جنّاته كان أمياً لكنه كان مثقفاً وملماً وسياسياً بكل ما يدور حوله من تناقضات، ذلك الوقت المذياع كان هو المصدر الوحيد للأخبار والمعلومات وكل ما يفيد حينها كنتُ طفلاً صغيراً لكنني كنت أتابع ما يدور من حوار حول حرب 1967 ميلادية أو حرب النكسة. المثقف والمُتعّلمْ وجهان لعملة واحدة هو الإنسان الذي يدْرك تقلبات الحياة والمتعلم لا يمكن أن يكون مثقفاً فهو محصور بما تعلمْ من بحرِ واحد أما المثقف شرِب من بُحورِ ومحيطات وأنهار كثيرة.
ليس بالضرورة جميع الأمثال صالحة لكل زمان فما يصلح في زمنٍ لا يصلح في زمنٍ آخر. وربما تكون خارج الزمن وهنا أضرب مثل «زرقاء اليمامة» التي يضرب بها في حدة البصر فلقد أصبح مثلاً بلا معنى في ظل وجود الأقمار الصناعية التي كلها يمامات طائرات تلتقط كل صغير وكبير صباح مساء وبكل دقة. وليس كل ما صلحَ قديماً يصلح في وقتنا الحاضر.