د. حمزة السالم
يخشى الكريم على عرضه من أن تناله ألسن السفهاء، ويخشى صاحب العلم من تطاول الجهلاء المتطاولين على تخصصه. فيلزم كلاهما الصمت عن ردع سفيه وتعليم جاهل أحمق مسليا نفسه بقولهم «ذو العقل يشقى في النعيم بعقله وأخو الجهالة في الشقاوة ينعم».
صمت الكريم أمام جهل قومه وإخفاء صاحب العلم علمه خشية من سقوط هيبته، يمنع الفكر من التحرر والعلوم من التطور والمجتمعات من التقدم.
والعامة تتبع المشهور والغالب فينتصرون له دون إدراك أو اقتناع، بينما يركبه الجهلة الاستغلاليون فيتشدقون به فيستخفون بالحمقى وضعيفي التفكير فيجني بعضهم على بعض تماما، كما يجنون على مجتمعاتهم.
ولم يخل المجتمع النبوي، أفضل مجتمع وُجد على الأرض، من أمثال هؤلاء. فكان هناك الصحابة خير البشر، وكان هناك المنافقون الذين كانوا يشكلون ثلث مجتمع المدينة بدليل انخذال ثلث الجيش في أحد قبل المعركة بقيادة المنافق عبد الله بن أبي. والمجتمع العربي من المجتمعات التي لا تخلو من المنافقين. وكما نجع أسلوب ابن أبي ومن معه من المنافقين حتى كشفه الوحي، فقد نجع أسلوب المجتمع العربي في تحجير الفكر الديني والاجتماعي والحكومي، وذلك بإرهاب الناس إذا دخلوا حماهم.
وانتشار هذا النموذج الاعتراضي للآراء المخالفة قد يكون نابعا من ضعف الحجة أو قلة الفهم أو العناد أو من أجل قلب الأمور وتغطية الحق أو من أجل الانتصار لمذهب أو هوية، وغالبا ما يكون هؤلاء مسيرين لا عقل لهم ولا فهم.
فمتى تحدث عالم في تخصصه ببيان مسألة أو نطق حكيم بحكمة في زمن فتنة، لا تشعر إلا وقد انطلق هؤلاء يتذاممون، يقذفون اتهاماتهم في نوبات متكررة من أجل إيهام كثرتهم وما هم إلا قلة، ترى أحدهم يكتب بأسماء مختلفة عشرين تعليقًا ومقالاً فيها من القذف والسب والشتيمة وهزالة المقولة وضعف المنطق، ما يحكي قدرة عقولهم وإمكانياتهم الفكرية. وما دروا أن مقولاتهم في هذا العصر أصبحت تُدور وتخرج بإذن الله خلقاً آخر جميلاً نافعاً. فسبحان موزع العقول والأفهام وتبارك الله أحسن الخالقين.
وإن تعجب فاعجب من نشاط هؤلاء ومن كسل الحكيم وصاحب العلم ومن له عقل، بل وأعجب أن أسلوبهم قد نجح في أن يجعل حجة تجنب ما أقدموا عليه، شماعة يتحجج بها البليد في تحميل فشله وعدم القيام بمسؤولياته في عدم اكتراثه بما يُطرح في الساحة من تساؤلات فكرية وشرعية ورقابية واجتماعية. فوالله ما منع الأبطال تناثر دماء الأعداء على وجوههم حال كونهم يضربون هامات أعدائهم في مواقف دفاعهم عن أوطانهم.