د. فوزية البكر
عاني المجتمع السعودي مثل غيره من المجتمعات من أشكال كثيرة من العنف والتطرف والإرهاب التي جعلته يقف بحسم وعلانية في محاولة لوضع النقاط علي الأحرف لعل ذلك يساعد على فهم وحصار ثم معالجة جذور المشكلة ونواتجها التي تحاول أن تملأ الأرض فوضي وكراهية.
في رمضان الحالي كان من الواضح توجه الآلة الإعلامية تحديدا إلى معالجات مكشوفة عن طريق استغلال نسب المشاهدة العالية عبر اعمال درامية ووثائقية كبيرة فتحت أعين المشاهدين علي حقائق مذهلة تجري داخل الاسر والبيوت والمجمعات والاستراحات، ويختلط فيها السعودي بالعربي بالعالمي، والتي أدت الى ضياع كثير من شبابنا الغر وتدمير عائلات وشباب كان يمكن أن يكونوا علماء أو عمالا مهرة منتجين وآمنين في مجتمعاتهم المحلية.
كل ما يحدث الآن من مكاشفات وصراعات محلية وعربية وعالمية يجبرنا علي الوقوف والتفكر في جذور صراعاتنا الفكرية والتاريخية والثقافية والتي تعمل قيادات التنظيمات المتطرفة علي تجييشها لتحقيق اهدافها البعيدة في إقامة خلافات وهمية لن تحدث في عصرنا الحديث لكن المهم لنا كأفراد وعائلات ومواطنين فهم الأسباب التي يمكن ان تدفع بأبنائنا (أبناء هذا العصر) إلى آتون هذه الآلة الجهنمية القاتلة.
صراع الهويات التي تحدث عنها الكاتب الأشهر أمين معلوف في كتابه الرائع هويات قاتلة يلخص ما يمر به شرقنا اليوم من صراعات مدمرة تلتهم الأمم وتشرد الشعوب، ولا يهم في الحقيقة أن صرفنا وقتنا في النقاش حول (فكرة تدمير) الأمة الاسلامية، أو فكرة (الفوضي الخلاقة) أو فكرة (المؤامرة) أو فكرة (التخلف) أو فكرة (الصراعات الثقافية والدينية). كل ذلك في الحقيقية لا يهم والأهم هو ما يحدث الان على الأرض: أي أننا نمر بصراعات حاسمة: صراعات تتناول طرق حياتنا، طرق تفكيرنا، تفسيراتنا الدينية، تفسيراتنا الثقافية، علاقاتنا مع بعضنا، مفهوم السلطة (سلطة الأب والزوج ورجل البوليس وسلطة السياسي) وغيرها من أساليب الحياة والتفكير والرؤى الدينية والثقافية التي تطرح نفسها اليوم أكثر من أي وقت مضي؛ أي صراع الهوية: فمن أكون أنا؟ من يشكلني؟ وما الذي أبقي من قناعتي التي ربيت عليها، وما الذي عليَّ أن أغيره لمواجهة عالم متغير لا يتوقف عن اتهام المعتقد والثقافة بالتخلف والارهاب، فهل انا مسلم، هل انا سعودي، هل انا عربي / عالمي؟ نعم: اشارك العالم في كثير من انماط الأكل والشرب والسفر واستخدام الانترنت لكنني اختلف كثيرا في الرؤية لدوري/ لعلاقتي بالمحيط، لرؤيتي لما تفعله ابنتي / زوجتي، كيف ربيت وكيف تعامل ابي ومعلمي وأمام المسجد معي؟ وكيف خلق ذلك قناعتي الاجتماعية وشكل رؤيا الدينية؟ ما الذي يحدث لآسلام اليوم؟ وهل ستفرض التغيرات السياسية الحادة التي تشهدها منطقتنا وجها آخر لم نعرفه من قبل عن الاسلام الذي تم تدريسه لنا في المدارس؟
سؤال الهوية هام جدا وخاصة لشاباتنا من النساء اللاتي يجدن أنفسهن في مواجهة تغيرات مذهلة تفتح أبواب العالم لهن، لكنها أيضا تدمر واقعا كان هادئا ومستكينا تحت نظام سلطة ابوية وهاهو اليوم يتداعي تحت وطأة التغيير، فما الذي أبقيه وأحافظ عليه حتى لو لسعني (كا القابض علي الجمر) وما الذي يمكن أن أغيره؟ والى أي حد أغير؟ ما الذي بقي من خياراتي؟ كيف سيتعامل أبي و زوجي معي في ظل تداعي نظام السلطة تحت وطأة العولمة والاعتراف بحقوق الاقليات من النساء والملونيين والمتغيرين؟
هو أيضا هام بنفس الدرجة للشباب الذكور من الخريجين الذين صعقوا بأنهم لا يجدون اعمالا في القطاعات التقليدية التي درسوا فيها ولايجدون زوجة مطيعة كما تم تعليمهم طوال حياتهم ولا يجدون نظاما اجتماعيا وثقافيا يمثلهم ويسمح بظهور أصواتهم كما يفعلون مع وسائل بسيطة مثل توتير أو الباث. فمن هم ولمن ينتمون؟ وماذا يصدقون وماذا يكذبون؟
كلها أسئلة مصيرية علينا كمؤسسات وكمثقفين وصانعي قرار ومجتمعات ان نواجهها ونزيل الأغطية الداكنة التي ملأتها بالرطوبة والعفن لترى هذه الأسئلة المصيرية النور، وليتمكن شباب اليوم رجالا ونساء من الحديث بصوت عال عن من هم وما يواجههم من تحديات وجودية بدل أن تلتقطهم هويات التطرف والإرهاب؟
حتى الآن لم نتحدث عن المهملين والفقراء ومن هم على أطراف المدن، فمكونات هوياتهم لا تتقاطع بالضرورة مع هويات وهموم سكان المدن الكبرى، فيا تري كيف سيكون شكل هوياتهم التي ربما سستثور في وجوهنا يوما ما ولنأمل أنها لن تفعل.