خالد بن حمد المالك
أشعلت الدوحة نار الإرهاب في المنطقة، وقد كانت بدايته وميضاً لا يكاد يلمسه أو يراه المرء، بحرارة تماثل طقس المنطقة، وبغفلة مصدرها الشعور والاطمئنان على أن دولة خليجية لا يمكن أن تفعل ما فعلته قطر ضد جيرانها وأشقائها، ومن يفترض أنهم أعضاء معها في الجسم الخليجي الواحد، واستمرت قطر تضخ المزيد من الوقود للنار المشتعلة حتى لا تتحول إلى رماد، وحتى تؤتي أكلها للأخضر واليابس، في زعزعة واضحة لأمن دول الخليج، وتحريك لجموع مواطنيها بالاتجاه إلى الشارع لبدء التخريب، ومن ثم عرض المسلسل القطري في قناة الجزيرة عن أن نارها قد استعرت، وأنها لم تترك دولة خليجية إلا وقد امتدت لها.
* *
لم ينجح المخطط القطري بفضل وعي المواطن الخليجي ومعرفته بأهداف قطر، بينما ظل حكماء دول الخليج يبذلون الجهد في إطفاء النار التي يزداد اشتعالها، ويمتد لهيبها إلى دولهم، بالاتصالات والوساطات، والحوار العاقل، غير أن اليد القطرية الآثمة ظلت وعلى مدى عشرين عاماً تدفع بالنار إلى كل اتجاه، وتصوبها إلى مصدر الحياة في دولنا، غير آبهة بأي رفض أو احتجاج، معلنة الحرب، مرتدية ملابس ناعمة الملمس وأسلحة غير ظاهرة، حتى لا تبدو على حقيقتها، فينكشف أمرها، وتتعرى أحقادها وكراهيتها، مع إصرارها على براءتها كلما وُوْجِهت بالحقائق، وذكّرت بعبثها وتآمرها واستهدافها لأشقائها.
* *
أدركت المملكة والإمارات والبحرين ومصر، أن قطر تلعب بالنار، غير خائفة من أن تحرق أصابعها، تتطاول على الزعامات الكبيرة بمؤامرات خسيسة، وعلى الدول الخليجية بمخططات تقسيمية وانقلاب على القامات الكبيرة، بما لم تفعله دولة أخرى في العالم مع جيرانها، كما هي قطر المحروسة من المملكة وبقية دول الخليج، ما شكل إزعاجاً وقلقاً، ودعوة شعبية لدى شعوب المنطقة للتصدي لنزوات شيوخ قطر بما يحفظ لدولنا أمنها واستقرارها، وهو ما فهم من قرار المقاطعة الذي جاء استجابة وتفهماً للمطالب الشعبية الخليجية.
* *
يمضي الوقت سريعاً، والمحاولات مستمرة لثني الدوحة عن ممارساتها العدوانية، وإيصال رسائل لها من أن للصبر حدوداً لا يمكن أن يكون إلى الأبد، وأن الملفات بما فيها من معلومات خطيرة، وقد فتحت عن السلوك القطري المشين لا يمكن إغلاقها من دون شروط والتزامات وضمانات من قطر، وهي شروط الدول الأربع التي قطعت علاقاتها مع قطر، حتى لا يستمر سعير الحريق، وكي لا يصل إلى الأهداف القطرية ضد مفاصل هذه الدول، وهي أهداف حددتها الدوحة بعناية، وتعمدت عن إصرار بأن تكون ضمن أولويات التنفيذ لمخططها التآمري الواسع ضد الدول الشقيقة، دون أن تأخذ حساباً مسبقاً للقرارات الأخيرة الموجعة التي اضطرت إليها الدول الأربع.
* *
لقد تنبهت المملكة وبعض دول مجلس التعاون مبكراً إلى أن قيام مجلس التعاون لا يستقيم، وهناك قطر عضواً فيه وتتآمر عليه وعلى دوله وقياداته، فجاء اقتراح المملكة بالانتقال من التعاون إلى الاتحاد، بأمل أن تكون هذه خطوة في الطريق الإيجابي الطويل للحيلولة دون تلاعب قطر بمصالح دولنا، وقد ظهر أن تعثر الموافقة على مقترح المملكة ناشئ من التلكؤ القطري، لأن هذا المقترح لا يخدم أهدافها العدوانية، ومضاد لأي خطوة ترسخ العلاقات بينها وبين بقية دول المجلس، فهي وإن حضرت الاجتماعات، وشاركت في المناقشات، إلا أن عقل أميرها وقلبه ومشاعره وخوفه يتجه نحو إيران لا إلى دول المجلس.
* *
هذا يعني أن رجالات قطر - أعني شيوخها - ليسوا في وارد إطفاء الحريق، أو الشعور بالمسؤولية، أو الاستعداد للتخلي عن الإرهاب، أو وضع حد لمنع سيطرة إيران، والإخوان المسلمين على القرار القطري، مثلما أن علاقاتهم مع الحوثي وحزب الله والقاعدة وحماس، وكل المنظمات الإرهابية، والأفراد الذين يوصفون بأنهم رموز إرهابية، هي خطوط حمراء لا تملك الدوحة الإرادة والقدرة للتخلي عنهم، وهكذا مع استخدام الإعلام المسيس والمال الذي ينفق بسخاء لتنفيذ ما يحقق أهداف شيوخ قطر العدوانية، ويمنع أي تقارب أو مصالحة، إلا أن تكون هشة وقابلة للانفجار مع هذه الدولة الصغيرة المتمردة في أي لحظة وعند أي مناسبة.
* *
لماذا إذاً نكتب مثل هذا الكلام طالما أننا قد غسلنا أيدينا من أي تجاوب عاقل من شيوخ قطر مع مطالب وشروط الدول الأربع والضمانات المصاحبة لها، ولماذا كل هذا التحاور مع دولة وأمير وحكومة قطرية هم في الظل، ما دامت الدوحة مسلوبة القرار، لا تتصرف بإرادتها، ولا تأخذ قرارها بنفسها، ولا تفكر لا في مصلحتها، ولا بما يؤدي إلى تحقيق مصلحة جيرانها، ولماذا كل هذا الكلام الطويل العريض، وقد تأكد لنا بالدليل القاطع أن أعداء أمتنا هم من يقودون هذه الحملة الشرسة ضد مصالحنا، وأنهم وجدوا في قطر ومن خلال شيوخها مصدراً جيداً، ومناخاً مناسباً، وبيئة لا مثيل لها في توظيفها لتحقيق مآربهم، وتنفيذ جرائمهم، فيما أن أصوات المسؤولين القطريين بحت لتنفي ما هو صحيح، وتعطي ما يرسخ الصدق على ما هو كاذب، في سذاجة، وقلة خبرة، وجهل بما ستؤول إليه الأحداث من تطورات خطيرة على قطر لا على بقية الدول الشقيقة فيما لو استمر هذا هو موقفها.
* *
أقول إجابة عن هذه التساؤلات أننا نكتب ما نكتبه من أجل شعب قطر الحر الأصيل، الذي لا ناقة له فيما يحدث ولا جمل، فهو مغلوب على أمره، مهمش في كل شيء، مستعاض عنه بالقوى البشرية غير القطرية التي تتواجد بكثافة في قطر، وتأمر وتنهى وكأنها هي أهل البلاد الأصليين، فقد جمعت بين التمركز في المواقع الحساسة بالدولة، وبين الصلاحيات الواسعة لإدارة شؤون الدولة، بما في ذلك توجيه سياساتها بموافقة واستحسان من الأمير السابق حمد بن خليفة ورئيس الوزراء وزير الخارجية السابق حمد بن جاسم وأمير البلاد الحالي تميم بن حمد، الأمر الذي يجعلنا أمام هذا الوضع العجيب الغريب الشاذ في قطر مضطرون إلى مخاطبة أهلنا في قطر عن مأساتهم، وعن استهدافهم، وعن التفريط في مصالحهم، ضمن الأخوة التي تجمعنا، والشراكة الأسرية في إعمارنا معاً لهذه الأرض، بعيداً عن الإرهاب الذي تتبناه وتموله وتؤيه دولة قطر.
* *
لقد باع شيوخ قطر الدولة في سبيل أن يحتفظوا بالحكم وبكرسي الإمارة، فهذه قاعدة أمريكية، وتلك قاعدة تركية، وهذه العناصر إيرانية، وتلك للإخوان المسلمين، وحصة حزب الله والحوثيين والقاعدة وحماس وغيرها محفوظة لهم، فهل هذه دولة تُحترم ويُعتمد عليها، أليس هناك في قطر من رجل رشيد ليعيدها دولة حرة مستقلة مثلما يتحدث تاريخها، أم أن كل الأبواب (بحماية أجنبية) قد سدت أمام أي إصلاح ينتظر من الداخل وعلى أيدي المواطنين القطريين الشرفاء، فهؤلاء الأجانب يتآمرون على قطر، ويكبلونها بما يقوّض أي فرصة تلوح لإصلاح ما أُفسد على مدى سنوات حكم حمد بن خليفة وإلى اليوم، لهذا نكتب بمحبة وإخلاص ما يعبِّر عن صوت أشقائنا القطريين غير المتاح لهم حق التعبير الحر عن ما يجري في بلادهم.
* *
وعلينا أن نكون على ثقة بأنّ دولة قطر مهما تكالبت عليها المشاكل، واستهدفت بالمؤامرات، وسخرها العدو للنيل من أمن واستقرار دولنا، سوف تعود يوماً حرة أبية، لتؤدي دورها ضمن الدول الخليجية الشقيقة، في حفظ الأمن، وترسيخ الاستقرار، وإعمار الأرض، والتعاون مع شقيقاتها بما يخدم شعوب هذه المنطقة، بلا تدخل أجنبي، أو مساعدة خارجية، فقطر لديها سجل حافل بالمواقف المشرقة، وشعبها العظيم قادر على أن يختار المسار الصحيح لدولته في ظل هذه التحديات التي أنهكت الدولة الصغيرة، وأشغلتها عن برامجها التنموية، بسبب تصرفات رعناء يقودها مشايخ قطر الثلاثة.