د. جاسر الحربش
بعد نهاية الحرب العالمية الثانية حصل الألمان على قرض أمريكي ضخم بمقاييس تلك الحقبة، اسمه مشروع مارشال لإعادة الإعمار. خلال عشرين سنة أصبح الإعمار في حكم المكتمل. الطرق والمطارات والمستشفيات والمدارس والمصانع ومحطات الكهرباء وكل ما له علاقة بالإنتاج عاد كما كان وأفضل. خلال فترة الإعمار استقدمت ألمانيا الغربية ملايين من العمالة الأجنبية، أتراك وبرتغاليين وطليان وعرب؛ للتكفل بالأعمال التي لا تتطلب كفاءة مهنية، أي لتنظيف الشوارع والواجهات وجمع النفايات وخدمات المطاعم والفنادق وما في حكم ذلك.
بعد أن اطمأن الشعب إلى الاستقرار وكفاءة الإنتاج بدأت إعادة النظر في مسألة المستقدمين ومزاحمتهم للعمالة الألمانية متدنية الكفاءة، التي لم تعد البنيات الأساسية تحتاج إليها، وأصبحت مهددة بالتسريح. احتدمت النقاشات في الصحف والإذاعات والتلفزيون، وكذلك المناظرات الحزبية بين المحسوبين على التيارات الحقوقية وعلى التيارات المحافظة.
أخيرًا وافق البرلمان الألماني (البوندستاج) على الشيك الذهبي، أي دفع مبلغ من المال لكل عامل أجنبي يقبل المغادرة؛ ليبدأ في بلده الأصلي عمله الخاص. خلال سنوات قليلة لم يبقَ في ألمانيا سوى الأجنبي الذي حصل على الجنسية الألمانية، ويحتاج إليه البلد. النموذج الألماني قدَّم المثل على الطريقة الأفضل للتعامل مع الحاجة إلى الاستقدام مؤقتًا، ثم التعامل لمصلحة الطرفَيْن بسبب ظهور بطالة محتملة قادمة، تؤثر سياسيًّا في التنافس على المقاعد الحكومية.
في البداية كان الأمل مقرونًا بالعمل بمنهجية وطنية صارمة، لا محل فيها للكلام المرسل بدون محاسبة، وبعد تحقيق الأهداف يأتي تفكيك البنية التي يتم الاستغناء عنها لصالح الباحثين عن عمل من المواطنين الأصليين. اليابان طبَّقت الطريقة نفسها مع العمالة الكورية والفلبينية.
منذ عشرات السنين وكل حكومة خليجية تطبِّق رؤيتها التنموية الخاصة، وكل من يعتقد أن خطة خليجية تنموية واحدة نجحت فعليه أن يتفقد الميدان، ويتعرف على من يسيطر على الأموال والأعمال. لا أحد يريد أن يعترف بأن الخطط التنموية الناجحة تتطلب وجود أبناء الوطن طوعًا أو قسرًا كمتدربين على رأس العمل مقابل مكافآت مادية تشجيعية في البداية، تتحول إلى عقود عمل ثابتة براتب مجزٍ فيما بعد. صناعة الترفيه ليست من جوهر الخطط التنموية بقدر ما هي مكافأة تشجيعية على العمل، تكون ضمن الخطة التنموية الإنتاجية.