م.عبدالمحسن بن عبدالله الماضي
1. وُصِف تشرشل من معاصريه بأن قدرته هي قدرة المواهب وليست قدرة الشخصية.. فهو خطيب بارع متفرد الشخصية.. وكان لاذعاً مفحماً مثيراً للشكوك أكثر من الثقة.. كان ينقصه حلاوة الصوت وطلاوة الحديث.. لكنه أتى في فترة عصيبة.. فهتلر يحتل أوروبا والخيارات أمامه بسيطة كما يقول: «النصر أو الهزيمة، البقاء أو الفناء، الحرية أو الطغيان، المدنية أو الهمجية».. يقول المؤرخون: لقد وَلَّدت كلماته التأثير التاريخي الذي ينشده.. لقد صار كلام تشرشل بين عامي (40 - 1941م) هو الفيصل بين الصمود والهزيمة.
2. استفاد تشرشل من تجربة روزفلت الإذاعية فأقام (25) محطة إذاعية في أنحاء بريطانيا.. كان يلقي فيها خطبه.. وكانت كلها محل اهتمام اجتماعي وقبول لم يسبق أو يلحق به مثيل طوال أيام الحرب.. وكانت كل وسائل الإعلام البريطانية تقدمه كبطل لا تنكسر له شوكة.
3. لقد ألهبت كلمات تشرشل حماس الجمهور.. وما زالت حتى اليوم تثير شجون المجتمع البريطاني ومنها: لا داعي للحديث عن أسوأ الأيام ولنتحدث عن أقساها.. فليست هذه أيام سيئة ولكنها أيام عظيمة.. بل أعظم أيام تاريخ أمتنا (في 29 أكتوبر 1941م).
4. لكن لماذا انهزم هو وحزبه عام (1945م) وهو الذي يصفه منافسوه بأنه أعظم مواطن بريطاني؟.. مما جعله يصرح مندهشاً: لقد حاولت معهم فما علمت حتى الآن ماذا يريدون.. لقد غاب عنه وهو الرجل الموهوب الفذ ذو التجربة العريقة العميقة أن خطاب زمن الحرب قد انتهى وهو يريد أن يستمر بذات الخطاب.. والبريطانيون قد أنهكتهم الحرب.. وخطاباته تضفي جواً مشوباً بالإحباط.. فلم تعد المحطات تذيع خطاباته.. ولم يعد لدى الإعلاميين ذلك الرجل الذي لا تنكسر شوكته.. حتى قال عنه المؤرخ البريطاني (نورمان روز): إن تشرشل لم ينجح كرئيس وزراء في وقت السلم.
5. حينما تعقد المقارنات بين تشرشل وروزفلت في عالم الاتصال والتأثير والقدرة على الإقناع فإن روزفلت يتفوق على المستوى الشخصي والخصائص الأساسية.. لكن تشرشل قاد بلاده بين عامي (1940 - 1941م) في ظل أسوأ حالات تعرض أمته للخطر.. حيث استباحت خلالها الطائرات الألمانية الأجواء البريطانية وهدمت مدنها ولم تستسلم.. وأنقذ بلاده والعالم من الطغيان الذي كان سيسود العالم.. ومنح الأمل لكل من انهار تحت وطأة الحكم الاستبدادي للنازية.. وحرض العالم كله للوقوف ضد هتلر.. وهو بذلك قد ترك أثراً على مسار التاريخ أكثر من روزفلت.. وبهذا فهو (رجل القرن) كما اختارته مجلة التايم عام (1950م).
6. من أقوال تشرشل: ليس لدي ما أقدمه سوى الدماء والدموع والعرق (عندما أصبح رئيساً للوزراء 13 مايو 1940م).