عماد المديفر
لا أبالغ إن قلت بأن خطورة الدور الإرهابي القذر الذي تمارسه الصغيرة الدوحة أخطر بكثير، ويهدد أمننا وكينونتنا وهويتنا الوطنية، بشكل أكبر من ذلك الذي يأتي من طهران.. وإن كان هذا الدور في الواقع يأتي مكملاً للخطة الإيرانية.. بل هو جزء منها.. لا سيما إذا ما علمنا أن المحرك الأكبر لكل ذلك هو التنظيم الدولي للإخوان المسلمين بشقيه السني والشيعي.. هذا التنظيم الذي في قراراته لا يهتم لمذهب ولا لدين بقدر ما يوظف الدين، والطائفية والتعصب الديني لخدمة أجندته وتنفيذ مشروعاته الشيطانية.. ولا أذيع سراً أن نظام ولاية الفقيه في طهران ليس في الواقع سوى أحد أفرع التنظيم الدولي للإخوان المسلمين، والذي نجح من خلال الثورة الشعبية الدينية عبر أشرطة الكاسيت لدعاته وعلى رأسهم الخميني؛ التحكم ببلد إقليمي مهم وكبير على الضفة الشرقية من الخليج العربي.. مستخدماً ما ابتدعه من أيدلوجيا «ولاية الفقيه» الغريبة عن الفقه الاثني عشري.. واستطاع عبرها السيطرة على جزء كبير من الشيعة.. وهو ما لا يزال يعمل عليه التنظيم في شقه السني.. وكاد أن ينجح في مصر لولا وقوف المملكة وشقيقاتها بكل قوة خلف الشعب المصري الشقيق وجيشه العربي العريق بقيادة فخامة الرئيس عبدالفتاح السيسي.
وأجدها سانحة للتذكير بضرورة الالتفات إلى عدد من «الرموز» الدينية والدعوية والعلمية التي كانت مستترة لدينا، والتي كشفت الأحداث في مصر عن حقيقتها، وتوجهاتها، وكشف ذلك بدوره ما كنا نحذر منه من خطورة تغلغل التنظيم الدولي للإخوان المسلمين بل ووصولهم إلى أماكن مهمة.. وهو ما اعترف به القيادي الإخواني يوسف ندا بعظمة لسانه خلال نشوة السُكْر التي غمرت قادة التنظيم الدولي أثناء فترة ما سمي بـ «الربيع العربي» فصرّح للكاتب «دوغلاس تومسون» في عام 2012م ما نصه بأنهم «قريبون من ملوك السعودية» و»عند أذن الملك» منذ عهد «الملك فيصل» عليه رحمة الله، بحسب قوله، وأن عميلهم هذا الذي كان في عهد الملك فيصل -رحمه الله- على سبيل المثال كان «طبيباً ماهراً، وأصبح الطبيب الخاص للملك» وأنهم حريصون على عدم كشف انتماءات عملائهم أو التواصل معهم مباشرة كون «أجهزة الأمن تتحرى دائماً عن انتماءات جميع المقربين من زعمائهم».. وقد كانت الأحداث الأخيرة التي مرت بمصر كاشفة للعديد من هؤلاء المتسترين.
هذه المقالة وما سيليها، مقالات حقائق وليس فيها من الرأي شيء.. إنها سلسلة تحليلية.. تجمع المعلومات، وتصنفها، ثم تعيد سردها مرتبة ليسهل فهم ما قد يظنه البعض أنه «تناقض» في السياسة القطرية، وهو ما وقع فيه العديد من المحللين المخضرمين.. إذ نسمع ونقرأ تحليلات في وسائل الإعلام العربية والغربية تردد مقولة «قطر ذات الوجهين».. و»السياسة القطرية المتناقضة».. ومرد ذلك أن العديد من هؤلاء المحللين يرون تناقضاً ظاهراً غير مفهوم لديهم فيما تقوم به قطر من أعمال على الساحة الإقليمية والدولية.. هذا صحيح لمن يرصد الوقائع والتحركات القطرية إمبريقياً كمّياً بلغة الأرقام.. لكن إذا ما كان هذا المحلل متعمقاً ونوعياً، ولديه خلفية جيدة عن التنظيم الدولي للإخوان المسلمين، وآيديلوجيته، ومخططاته، وصلاته بعدد من الدول والأنظمة القائمة وعلى رأسها نظام الملالي والنظام القطري.. وتحركات هذا التنظيم الجبارة -والتي لا يقلل منها أو يعتقد أنها اضمحلت أو انتهت إلا ساذج- سيكتشف أن ما تقوم به قطر ليس تناقضاً بقدر ما هو عمل «مزدوج» ومطور من تكتيك «حصان طروادة».. ومن ذلك ترويجها للتطرف والطائفية ودعمها للإرهاب والإرهابيين -جماعات وتنظيمات وأفراد وأفكار- بشتى سبل الدعم اللوجستي والدعائي والمادي والاستخباراتي.. وانتقاء الأفراد والمجتمعات المستهدفة.. وبخاصة السعودية منها، إذ هي الهدف الرئيس والنهائي من كل ذلك المخطط الشيطاني الاستراتيجي الضخم والكبير.. والزج بالمنطقة في أتون الفوضى والإرهاب.. ثم العمل بشكل ممنهج على ما أسميه بـ «توريط» دول المنطقة التي وقفت سداً منيعاً في وجه الإرهاب والأفكار المتطرفة وأفشلت -حتى الآن- مخططاتهم الخبيثة.. توريطها بالإرهاب تمهيداً لعزلها عن الحلفاء، ومن ثم تبرير الانقضاض عليها وتدميرها.. وهو استمرار لمخطط أحداث الحادي عشر من سبتمبر الإرهابية والذي وقف خلفه عملياً كل من نظام ولاية الفقيه والنظام القطري ومن وراءهم التنظيم الدولي للإخوان المسلمين، ونفذه تنظيم «القاعدة» الإرهابي وبدعم لوجستي من ميليشيا «حزب الله».. حيث كشفت المعلومات والوثائق وخاصة تلك التي وجدت في وكر الإرهابي الإخواني الهالك «أسامة بن لادن» في «آبوت أباد» أن ساعة الصفر لعملية 11/9 قد جرى تأجيلها عدة مرات حتى يتم تجنيد وتجميع أكبر قدر ممكن من الإرهابيين الذين يحملون الجنسية السعودية، والزج بهم في هذه العملية الإرهاية الوحشية الجبانة، في دلالة واضحة إلى أن هذه العملية الإرهابية إنما هي صنع أجهزة استخباراتية على صلة بتنظيم «القاعدة»، استهدفت المملكة قبل أن تستهدف الولايات المتحدة.. وهو ما كشفته على سبيل المثال تصريحات وزير الخارجية القطري الأخيرة في روما التي حاول من خلالها تلميحاً اتهام المملكة والإمارات بدعم الإرهاب، فيما صرح بذلك علناً السفير القطري في موسكو «فهد العطية» في مقالة له نشرت الأسبوع الماضي في صحيفة «نيزافيسيمايا» الروسية، ذكر خلالها نصاً بأن «معظم المتهمين في العمليات الإرهابية التي وقعت في نيويورك مواطنون سعوديون وإماراتيون» وهو ما ينسجم تماما مع الخطاب الدعائي الصادر من طهران وأدواتها وأبواقها في المنطقة. إلى اللقاء.